وفي أثناء هذه الأحداث انشغل البويهيون بحرب الحمدانين في الجزيرة الفراتية، وبالخارجين عليهم، وابتعد سيف الدولة إلى ميافارقين هرباً من حلب التي تعرضت لهجمات الروم، واتهم كافور الإخشيدي بالتهاون في أمر الثغور [١٧٠] . وأرسل أهل طرسوس الوفود إلى مصر، والعراق، وبقية بلدان العالم الإسلامي، يحملون الاستغاثة، وعاد اغلب الرسل دون الحصول على مساعدة تذكر من الجهات الرسمية. وتنادى الناس للجهاد، ووصل المطوعة إلى طرسوس. ولكن الأمر زاد سوءاً بانتشار الوباء والغلاء في طرسوس وبقية الثغور الشامية، حتى اضطر الناس إلى أكل دوابهم، وأكل الميتة [١٧١] وراسل أهل بغراس الدمستق، وبذلوا له الأموال، فأقرهم، وتركهم [١٧٢] . وتوجه الروم في مائتي ألف إلى حلب. وفيهم ثلاثون ألفاً بالجواشن، وثلاثون ألفاً للهدم، وإصلاح الطرق من الثلج، وتمكن الروم من دخولها، وفر سيف الدولة إلى ميافارقين فقد كان قليل الصبر [١٧٣] . ولم ينجُ إلا قلعه حلب، وبقي فيها الروم تسعة أيام، عاثوا فيها فساداً، وقتلوا حتى كلّوا، وملّوا، وأحرقوا المساجد، وقتلوا جميع أسرى المسلمين، وقدر عدد القتلى بمائة وخمسين ألفاً بحلب [١٧٤] واستنجد سيف بأهل الشام، فسار إليه جيش من دمشق على رأسه ظالم بن السلال العقيلي واليها من جهة الدولة الإخشيدية [١٧٥] ، كما وصل إلى طرسوس كثير من المجاهدين. فانسحب الروم من حلب. وسيّر سيف حاجبه في جيش من أهل طرسوس إلى بلاد الروم، فحققوا بعض لانتصارات [١٧٦] .
وضعف أمر سيف الدولة بعد كائنة حلب، وأصيب بفالج عام ٣٥٢ هـ في يده، ورجله [١٧٧] . ولكن أهل طرسوس تابعوا الجهاد، فدخلوا بلاد الروم غازين مرة أخرى، كما دخلها نجا غلام سيف الدولة من درب آخر، وأوغل أهل طرسوس في غزوهم حتى وصلوا إلى قونية، وعادوا [١٧٨] .