وتحرك وصيف ضد المعتضد في الثغور، ولحنق أهل طرسوس على المعتضد كاتبوا وصيفاً، فتوجه المعتضد بنفسه إلى الثغور، وهزم وصيفاً، ثم رحل إلى المصيصة، وهناك أحضر رؤساء طرسوس فقبض عليهم، وأمر بإحراق مراكب طرسوس التي كانوا يغزون فيها، وجميع آلاتها، وكان من جملتها نحو خمسين مركباً قديمة قد أنفق عليها من الأموال ما لا يُحصى، ولا يمكن عمل مثلها، فأضر ذلك بالمسلمين، وفتّ في أعضادهم، وأمن الروم أن يُغزوا في البحر. وكان إحراقها بإشارة دميانة غلام يازمان، لشئ كان في نفسه على طرسوس. واستعمل المعتضد على أهل الثغور الحسن بن كوره، وبماد إلى بغداد [٩٤] ، وقد أضرّت سياسته هذه بطرسوس كثيراً وأصبحت تعتمد على جند الخلافة، بدلا من اعتمادها على نفسها في الجهاد، واحتاجت عملية البناء من جديد جهداً ووقتاً وأموالا، وزاد الأمر سوءاً انشغال الخلافة بعد ذلك بحركة القرامطة، وبفتنها الداخلية، فتوجه غلام زرافة إلى طرسوس، بعد تدمير اسطولها، وكان أحد البحارة المسلمين، والمجاهدين الكبار، فجمع أمهر البحارة، وأشدهم بأساً، وأخذ يبني أسطولا جديداً، ويستعد للقيام بغزوات بحرية تعيد لطرسوس هيبتها. كما قام نزار بن محمد عامل الحسن بن علي كوره بغزو الصائفة عام ٢٨٨ هـ، وأسر عددا من الروم، أدخلهم طرسوس، ثم وجههم إلى بغداد [٩٥] .
وتوفي المعتضد عام ٢٨٩ هـ، وبويع للمكتفي بالله ٢٨٩١-٢٩٥ هـ، وفي عهده اشتد أذى القرامطة، والأعراب، وامتد من هجر إلى الشام [٩٦] ، فأثر ذلك على عملية الجهاد في طرسوس، واتجه أهلها إلى المكتفي بالشكوى من واليهم مظفر بن جناح، فعزله المكتفي عام ٢٩٠ هـ، وولّى عليهم أبا العشائر أحمد بن نصر [٩٧] ، الذي خرج مع جماعة من المطوعة للغزو، كما حمل الهدايا من المكتفي إلى ملك الروم [٩٨] .