للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبلغ الأذفونش (الفونسو السادس) استعدادات ابن تاشفن واعتزامه المجاز للأندلس، فأراد أن يجسّ النّبض، فكتب إليه يستحثّه على سرعة القدوم، وأغار علىِ البلاد في تظاهرة عسكرية جرّارة حتى وصل ساحل البحر عند الجزيرة، وكتب من هناك كتاباًَ، كتبه له بعض غواة أدباء المسلمين يغلظ له في القول، ويصف ما معه من القوة والعَدَد والعُدَد وبالغِ في ذلك. فلما وصل الكتاب وقرأه يوسف أمر كاتبه أبا بكر بن القصيرة أن يجيبه، وكان كاتبا مفلقاً، فكتب وأجاد، فلما قرأه على أمير المسلمين. قال: "هذا كتاب طويل، احضر كتاب الأذفونش واكتب في ظهره: "الذي سيكون ستراه"، والسلام على من اتبع هدى، وأردف الكاتب بيت أبي الطيب (المتنبي) :

ولا كتب إلا المشرفية والقنا

ولا رسل إلا الخميس العرمرم

فلما وقف الأذفونش على الكتاب، ارتاع له وأنه بلي برجل لا طاقة له به (١) .

عبور المجاهدين:

عبرت الجيوش الإسلامية المجاز (مضيق جبل طارق) بقصد الجهاد سنة ٤٧٩ هـ، من سبتة إلى الجزيرة الخضراء تباعاًَ: فكان أوّلها قوةّ من الفرسان بقيادة داود بن عائشة، وآخرها موكب أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، يوم الخميس منتصف ربيع الأول عام ٤٧٩ هـ/٣٠ حزيران ١٠٨٦ م (٢) .

وُيذكر أنّه خلال العبور هبّت ريح عاصف أثارت أمواجاً عالية، فرفع الأمير يوسف يديه إلى السّماء يدعو الله عز ّوجل:


(١) نفح الطيب جـ٤ ص ٣٦١/ أعمال الأعلام ق ٣ ص٢٤٠.
(٢) عنان- دول الطوائف ص٢١٩.