فالخير الأول: النبوة وما اتصل بها من خلافة ليس فيها فتنة، والشر هو ما حصل من الفتنة بسبب مقتل الخليفة الثالث عثمان رضي الله عنه وتفرق الناس حتى صار حالهم شبيها بحال الجاهلية يقتل بعضهم بعضا، ولهذا قال الزهري:"وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - متوافرون فأجمعوا على أن كل دم أو مال أو فرج أصيب بتأويل القرآن فهو هدر، أنزلوهم منزلة الجاهلية"فيبين أنهم جعلوا ذلك غير مضمون كما أن ما يصيبه أهل الجاهلية بعضهم من بعض غير مضمون، لأن الضمان إنما يكون مع العلم بالتحريم فأما مع الجهل كحالة البغاة من أهل القبلة والكفار فلا ضمان، لهذا لم يضمن النبي- صلى الله عليه وسلم - أسامة دم الذي قتله بعد ما قال: لا إله إلا الله "، مع تغليظه- صلى الله عليه وسلم - في ذلك، وردد عليه قوله: أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله، ثلاث مرات حتى قال أسامة فتمنيت أني لم أسلم قبل ذلك.
والخير الثاني: اجتماع الناس على معاوية بعد أن تنازل الحسن له عن الأمر، وكان ذلك صلحا على أقذاء، ودخن في ذلك الاجتماع حيث لم ترجع القلوب إلى ما كانت عليه زمن النبي- صلى الله عليه وسلم – وخلفائه قبل الفتنة.
والمقصود أن النبي- صلى الله عليه وسلم - أخبر بأنه يكون أئمة لا يهتدون بهديه- صلى الله عليه وسلم - ولا يستنون بسنته وأخبر أن فيهم رجالا قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان الإنس، ومع ذلك أمر بالسمع والطاعة للأمير، وإن ضرب الظهر وأخذ المال وفي ذلك بيان وجوب طاعة السلطان، سواء كان عادلا أو ظالما جائرا وهذا حماية منه- صلى الله عليه وسلم - للأمة من التفرق، الذي يضعفها ويجعلها نهبة للأعداء، كما هو الواقع من حال المسلمين اليوم لما تفرقوا وأصبحوا دويلات لكل دويلة حدودها واتجاهاتها.