للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

زد على ذلك ما في إقامة الحدود من بركات تعم المجتمع بأسره، وفي الحديث: "حد يعمل به في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحا" [٩] وفي رواية "أربعين ليلة"، أما أن الحدود رحمة بالمعتدي فيتجلى ذلك في مغفرة الله ورحمته التي تحوطه بعد إقامة الحد عليه. فالحدود كفارات للآثام وجوابر لها، تغسل أثرها وتمحو ذنبها، وكون الحدود جوابر لا ينفي أنها زواجر كذلك. وفي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن ماعز: "لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم" [١٠] وعن الغامدية: "لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم" [١١] كما جاء في السنة: "من أصاب في الدنيا ذنبا، فعوقب به فالله أعدل من أن يثني على عبده العقوبة" [١٢] . وروي أن "السارق إذا تاب سيقت يده إلى الجنة وإن لم يتب سيقت يده إلى النار" [١٣] ، فالحد أشبه بجرعة من الدواء الكريه يشربها الإنسان ليحصل بعد ذلك على الراحة، وفي الحديث: "من أصاب منكم حدا فعجلت له عقوبته فهو كفارته" [١٤] .

يقول ابن القيم: "بلغ من رحمة الله تعالى وَجُوده أن جعل تلك العقوبات كفارات لأهلها. وطهرة تزيل عنهم المؤاخذة بالجنايات إذا قدموا عليه، ولا سيما إذا كان منهم بعدها التوبة النصوح والإنابة. فرحمهم بهذه العقوبات أنواعا من الرحمة في الدنيا والآخرة" [١٥] .