في هذه الآيات قدم الله سبحانه وتعالى الاستدلال على إمكان البعث والجزاء يوم القيامة، بخلق الإنسان في أطواره المتعددة حيث خلقه من طين، والمراد به آدم عليه السلام، ثم جعل نسله، أي ولده من بعده من ماء مهين، كما قال تعالى في سورة السجدة:{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ}(السجدة آية ٧- ٨) .
وقيل المراد بالإنسان، الجنس في ضمن خلق آدم.
ثم شرع يبين تلك الأطوار المتعددة التي مر بها خلق الإنسان إلى أن أصبح بشرا سويا، عاقلا ناطقاً فقال {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً} ماءً، وهو المني المهين أي الممتهن {فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} أي مستقر؛ وهو الرحم: ثم بين تحول هذه النطفة من حالة إلى أخرى، خلقها علقة، أي دما جامدا، ثم خلق العلقة مضغة لحم لا تمايز فيها، ثم خلق تلك المضغة عظاما، بأن جعلها عمودا للبدن على هيئات وأوضاع مخصوصة تقتضيها الحكمة الإلهية، ثم كسوة تلك العظام لحما على مقدار ما يناسب كل عضو. ويليق بهيئته حتى يكون خلق الإنسان في أحسن تقويم وأجمله، كل ذلك التحول من حالة إلى أخرى يتم في ذلك المكان المظلم الضيق، بقدرة العليم الحكيم {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاث}(الزمر آية ٦) .
ثم تحويله إلى خلق آخر مباين للخلق الأول، مباينة ما أبعدها، فقد أصبح إنسانا حيا، سميعا بصيرا، متكلما عاقلا، بعدما كان جمادا، نقلة هائلة بين النطفة الضعيفة الميتة، وبين الإنسان الحي الناطق، فلا علاقة عقلية، ولا تلازم بينهما، اللهم إلا القدرة الإلهية، التي تقول لشيء كن فيكون؟ {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ}(الروم أية ١٩) .