ومع اعتزاليات الزمخشري وولعه بالتأويل؛ فإنه لم ينهج هذا المنهج مع عقوبة المسخ فقال [٢١] : ( {قِرَدَةً خَاسِئِينَ} أي كونوا جامعين بين القردية والخسوء، وهو الصَّغار والطرد، {فَجَعَلنَاهَاا} يعني المسخة {نَكَالاً} عبرة تنكل من اعتبر بها: أي تمنعه، ومنه النِّكل: القيد، {لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا} لما قبلها، {وَمَا خَلفَهَا} وما بعدها من الأمم والقرون، لأن مسختهم ذكرت في كتب الأولين فاعتبروا بها [٢٢] ، واعتبر بها من بلغتهم من الآخرين، أريدَ بما بين يديها ما بحضرتها من القرى والأمم [٢٣] ، وقيل:{نَكَالاً} عقوبة منكلة لما بين يديها لأجل ما تقدمها من ذنوبهم، وما تأخر منها، {وَمَوْعِظَةً لِلمُتَّقِينَ} للذين نهوهم عن الاعتداء من صالحي قومهم أو لكل متق سمعها. اه.
٤- رأي الجاحظ:
للجاحظ في موسوعته (الحيوان) استطرادات كثيرة، ولقد تعرض لموضوع المسخ، ومع نزعته الاعتزالية، ودراسته الكلامية؛ فقد كان من المثبتين للمسخ، المحتجين لوقوعه بحجج النقل والعقل، فتكلم عن بعض أسباب المسخ، ولماذا عاقب الله الممسوخين بأن جعلهم قردة وخنازير؟
فقال عن الخنزير [٢٤] : "فأما قبح وجهه فلو أن القبح والغدر والكذب تجسدت ثم تصورت لما زادت على قبح الخنزير، وكل ذلك بعض الأسباب التي مسخ لها الإنسان خنزيرا، وإن القرد لسمج الوجه، قبيح كل شيء، وكفاك أنه للمثل المضروب.. "يعني أن القرد قد ضرب مثلا للقبح.
ثم عاد [٢٥] إلى ذكر مقابح الخنزير؛ فبين أن الخنزير ينزو ذكره على ذكره، وأن الله سبحانه سمى لحمه رجسا وإن كان غير ميتة ولو ذكر الذابح عليه اسم الله، ولوصفه بهذا الوصف (الرجس) يقول الجاحظ: "ولا نعلم لهذا الوصف وجها إلا الذي خص الله به من ذكر المسخ، فأراد تعظيم شأن العقاب، ونزول الغضب، وكان ذلك القول ليس مما يضر الخنزير، وفيه الزجر عن محارمه، والتخويف من مواضع عذابه".