للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحقيقة الرضا بنبوة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- تتمثل في أتباعه اتباعًا كاملًا، وذلك بتصديقه فيما أخبر، وأتباعه فيما أمر، واجتنباب ما نهى عنه.

ومن ذلك اتباع شريعته الحنيفية السمحة: (وأمَّا الرضي بنبيه رسولًا: فيتضمن كمال الانقياد له والتسليم المطلق إليه، بحيث يكون أولى به من نفسه، فلا يتلقى الهدى إلَّا من مواقع كلماته ولا يحاكم إلَّا إليه، ولا يحكم عليه غيره، ولا يرضى بحكم غيره البتة، لا في شيء من أسماء الرب وصفاته وأفعاله، ولا في شيء من أذواق حقائق الإيمان ومقاماته، ولا في شيء من أحكامه ظاهرة وباطنة، ولا يرضى في ذلك بحكم غيره، ولا يرضى إلَّا بحكمه (١).

ولهذا أقسم اللَّه تعالى بربوبيته أنه لا يصح إيمان أحد حتى يحكّم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثم يرضى بحكمه ولا يبقى نفسه هو أدنى، تحرج أو تردد، قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٦٥)} (٢).

فمن رضي بمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم- نبيًا فلا بد أن يتبع الشريعة التي جاء بها ويسير على المنهج الذي رسمه، ويطبق النظام الذي سار عليه وطبقه وورّثه، ومن لم يكن كذلك فليس راضيًا بنبوة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- وإن ادعى ذلك.

التاسع: من أصول الإسلام وقواعده الأساسية أن الحاكمية والسيادة المطلقة هي للَّه وحده، ولشريعته النقية، ودينه الحنيف، الذي له وحده الحكم الأعلى والحجة القاطعة.

ومن لم يعتقد أن السيادة العليا لشرع اللَّه دون غيره، فإن انتسابه إلى الإسلام دعوى بلا برهان، بل البرهان على خلاف ذلك.

وكل من اعتقد أن هناك سيادة عليا لغير اللَّه ودينه ونبيه فهو منازع للرب تعالى، ومنحرف عن دينه، ومعاند لرسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وداخل من أوسع أبواب الردة.


(١) المصدر السابق ١/ ١٧٢ - ١٧٣.
(٢) الآية ٦٥ من سورة النساء.

<<  <  ج: ص:  >  >>