للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال: ارجع وأنا أشغله عنك بالمجادلة، وكن وراءه فاضربه بالسيف ضربةً واحدة. فكانا كذلك: واحدٌ وراء النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر قال: اقصص علينا قصصك. قال: ما تقول؟ قال: قرآنك! (١) فجعل يجادله ويستبطئه، (٢) حتى قال: مالك حُشِمت؟ (٣) قال: وضعت يدي على قائم سيفي [فيبست] ، (٤) فما قدرتُ على أن أُحْلِي ولا أُمِرُّ ولا أحرّكها. قال: فخرجا، فلما كانا بالحَرة، سمع بذلك سعد بن معاذ وأسيد بن حُضير، فخرجا إليهما، على كل واحد منهما لأمته، ورمحه بيده، وهو متقلد سيفه. فقالا لعامر بن الطفيل: يا أعور [حسا] يا أبلخ، (٥) أنت الذي يشرط على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ (٦) لولا أنك في أمانٍ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رِمْتَ المنزل حتى نضرب عنقك، (٧) ولكن [لا نستعين] . (٨) وكان أشدّ الرجلين عليه أسيد بن الحضير، [فقال: من هذا؟ فقالوا: أسيد بن حضير] ؟ (٩) فقال: لو كان أبوه حيًا لم يفعل بي هذا! ثم قال لأربد: اخرج أنت يا أربد إلى ناحية عَدَنَة، (١٠) وأخرج أنا إلى نجد، فنجمع الرجال فنلتقي عليه. فخرج أربد حتى إذا كان بالرَّقَم، (١١) بعث الله سحابة من الصيف فيها صاعقة! فأحرقته. قال: وخرج عامر حتى إذا كان بوادٍ يقال له الجرير، أرسل الله عليه الطاعون، فجعل يصيح: يا آل عامر، أغُدَّة كغدَّة البكر تقتلني! يا آل عامر، أغدةٌ كغدة البكر تقتلني، وموتٌ أيضًا في بيت سلولية! وهي امرأة من قيس. فذلك قول الله: (سواء منكم من أسر القول ومن جهر به) فقرأ حتى بلغ: (يحفظونه) تلك المعقبات من أمر الله، هذا مقدّم ومؤخّر لرسول الله صلى الله عليه وسلم معقبات يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، تلك المعقبات من أمر الله. وقال لهذين: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) فقرأ حتى بلغ: (يرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء) الآية، فقرأ حتى بلغ: (وما دُعاء الكافرين إلا في ضلال) . قال وقال لبيد في أخيه أربد، وهو يبكيه:

أَخْشَى عَلَى أَرْبَدَ الحُتُوفَ وَلا ... أَرْهَبُ نَوْءَ السِّمَاكِ وَالأسَدِ (١٢)


(١) في المطبوعة:" قال ما يقول قرآنك"، حذف من الكلام" قال"، وأثبت ما في المخطوطة ويعني قال: اقرأ علي قرآنك.
(٢) قوله:" فجعل يجادله ويستبطئه" وما بعدها، كلام فيه اضطراب، وأخشى أن يكون فيه خرم وسقط، والسياق يدل على أنه جعل يجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينظر إلى أربد يستبطئه. فلما انصرفا قال عامر لأربد: مالك حشمت؟
(٣) في المطبوعة:" مالك أجشمت" بزيادة الهمزة، وبالجيم، وليس له معنى، وفي المخطوطة:" حسمت" غير منقوطة، وصواب قراءتها ما أثبت. يقال:" حشم" بالبناء المجهول، إذا أعيي وانقبض.
(٤) الزيادة بين القوسين، زادها الناشر الأول على الدر المنثور.
(٥) في المطبوعة:" يا أعور يا خبيث يا أملخ"، غير ما في المخطوطة، والذي فيها:" ناعور حسما يا أبلخ"، ولم أستطع أن أجد الخبر في مكان آخر فأصححه، وقد أعياني كشف ما فيه من التحريف، فأثبته كما هو. و" الأبلخ" هو العظيم في نفسه، الجريء على ما أتى من الفجور.
(٦) في المطبوعة:" تشترط"، وأثبت ما في المخطوطة.
(٧) في المطبوعة:" ضربت"، وأثبت ما في المخطوطة.
(٨) وهذه كلمة أخرى أثبتها كما هي في المخطوطة غير منقوطة لم أهتد إلى قراءتها، ولكن ناشر المطبوعة جعلها:" لا تستبقين"، فنقطها، فصارت بلا معنى، أما السيوطي في الدر المنثور، فقد حذفها كعادته واستراح من همها.
(٩) زيادة لا بد منها، أثبتها من الدر المنثور.
(١٠) في المطبوعة:" إلي عذية"، وليس في بلاد العرب موضع بهذا الاسم، والذي فيها" عدنة" (بفتح العين والدال) ، وهي أرض لبني فزارة، في جهة الشمال من الشربة، قال الأصمعي في تحديد نجد:" ووادي الرمة يقطع بين عدنة والشربة، فإذا جزعت الرمة مشرقًا أخذت في الشربة، وإذا جزعت الرمة إلى الشمال أخذت في عدنة"، أرجو أن يكون ما قرأت هو الصواب.
(١١) " الرقم"، ظاهر أنه موضع، انظر معجم البلدان، ومعجم ما استعجم، وصفة جزيرة العرب للهمداني: ١٧٦، فأنا في شك من هذا كله.
(١٢) ديوانه قصيدة رقم: ٥، البيت: ٢، ٣ / وسيأتيان في ص: ٣٩٤، وقبل البيتين، وهو أولها: ما إنْ تُعرِّي المَنُونُ مِنْ أَحَدٍ ... لا وَالِدٍ مُشْفِقٍ ولا وَلدِ
و" الحتوف"، هي الآجال. وقوله:" نوء السماك والأسد"، فإنه يعني السماك الأعزل، ونوؤة أربع ليال في تشرين الأول (شهر أكتوبر) . وهو نوء غزير. وأما" الأسد"، فإنه يعني" زبرة الأسد" ونوؤها أربع ليال في أواخر آب (شهر أغسطس) . ويكون في نوء الزبرة مطر شديد (انظر كتاب الأنواء لابن قتيبة ص: ٥٨، ٥٩ / ٦٤، ٦٥) . وذلك كله في زمن الصيف.
يقول لبيد: كنت أخشى عليه كل حتف أعرفه، إلا هذا الحتف المفاجئ من صواعق الصيف.
وقوله:" فجعني الدهر"، أي أنزل بي الفجيعة الموجعة، والرزية المؤلمة. و" يوم الكريهة"، يوم الشدة في الحرب، حيث تكره النفوس الموت. و" النجد" (بفتح فضم) ، هو الشجاع الشديد البأس، السريع الإجابة إلى ما دعي إليه من خير أو شر، مع مضاء فيما يعجز عنه غيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>