للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النّارِ} (١٦)، {(الَّذِينَ)} في موضع خفض ردّا على قوله {(لِلَّذِينَ اتَّقَوْا)} أي للمتّقين {(الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنّا)} وصدّقنا بالله وبالرسول فاغفر لنا خطايانا، وادفع عنّا عذاب النار، ويجوز أن يكون موضع {(الَّذِينَ)} رفعا على معنى هم {(الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا)} كقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ} (١) ثم قال في صفتهم مبتدئا: {التّائِبُونَ الْعابِدُونَ} (٢).

قوله تعالى: {الصّابِرِينَ وَالصّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ} (١٧)؛ {(الصّابِرِينَ)} في موضع خفض بدل من {(الَّذِينَ يَقُولُونَ)}.وذهب بعضهم إلى {(الصّابِرِينَ)} نصب بالمدح. ومعنى الآية:

{(الصّابِرِينَ)} على طاعة الله وعلى الشدائد والمصائب وعلى ارتكاب النّهي وعلى البأساء والضرّاء، {(وَالصّادِقِينَ)} في إيمانهم وأقوالهم وأفعالهم، فإنّ الصدق قد يقع في القول كما يقع في الفعل، يقال: صدق فلان في القتال، وصدق في الجملة أي حقّق.

قال قتادة في تفسير الصّادقين: (هم قوم صدقت نيّاتهم واستقامت قلوبهم وألسنتهم في السّرّ والعلانية). {(وَالْقانِتِينَ)} أي القائمين بعبادة الله المطيعين، {(وَالْمُنْفِقِينَ)} يعني في طاعة الله.

وقوله: {(وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ)} قال قتادة: (أراد به المصلّين بالأسحار) قال أنس بن مالك: (أراد به السّائلين المغفرة بالأسحار)،وقال الحسن: (انتهت صلاتهم إلى وقت السّحر؛ ثمّ كان بعدها الاستغفار)،وعن إبراهيم بن حاطب عن أبيه قال:

(سمعت صوتا في ناحية المسجد سحرا يقول: إلهي دعوتني فأجبتك؛ وأمرتني فأطعتك؛ وهذا سحر فاغفر لي. فنظرت فإذا هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه).

روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ثلاثة أصوات يحبّهم الله: أصوات الدّيك، وصوت الّذي يقرأ القرآن، وصوت المستغفرين بالأسحار] (٣).وروي أنّ داود رضي الله عنه


(١) التوبة ١١١/.
(٢) التوبة ١١٢/.
(٣) عن أم سعد، وعلقه الديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب: النص (٢٥٣٨)،وأم سعد هي بنت زيد كما في كنز العمال: النص (٣٥٢٨٥).ترجم ابن عبد البر لها في الاستيعاب: الرقم (٣٥٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>