ذكرت محبة الله، فاذكر محبة المخلوقين. فتأوّه ذو النون تأوّها شديدا وشقّ قميصه نصفين، وقال: آه .. علقت رهونهم؛ واستعبرت عيونهم؛ وخالفوا السّهاد؛ وفارقوا الرقاد؛ فليلهم طويل؛ ونومهم قليل؛ أحزانهم لا تتغير؛ وهمومهم لا تفقد؛ باكية عيونهم؛ قريحة جفونهم.
وقال يحيى بن معاذ:(لو كانت العقوبة بيدي يوم القيامة لما عذّبت العشّاق؛ لأنّ ذنوبهم اضطرار لا اختيار).وقال بعضهم: {(رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ)} يعني شماتة الأعداء؛ قال الشاعر:
كلّ المصائب قد تمرّ على الفتى ... فتهون غير شماتة الحسّاد
وقيل: هو الفرقة والقطيعة، نعوذ بالله العظيم منهما، يقال: قطع الأوصال أيسر من قطع الوصال.
قوله عزّ وجلّ:{وَاعْفُ عَنّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا؛} أي تجاوز عن تقصيرنا وذنوبنا ولا تفضحنا {(وَارْحَمْنا)}؛فإنّنا لا ننال العمل بطاعتك إلا بمعونتك، ولا نترك المعصية إلا برحمتك. وقيل: معنى: {(وَاعْفُ عَنّا)} أي اترك عنّا العقوبة، ومعنى العفو: الترك. وقوله تعالى: {(وَاغْفِرْ لَنا)} أي استر لنا ذنوبنا وعيوبنا، {(وَارْحَمْنا)} أي أنعم علينا بالجنة والثواب، وقيل: معنى الآية: {(وَاعْفُ عَنّا)} من المسخ {(وَاغْفِرْ لَنا)} من الخسف {(وَارْحَمْنا)} من الغرق؛ أي لا تفعل بنا ما فعلت ببعض من تقدّمنا من الأمم. وقيل: معناه: {(وَاعْفُ عَنّا)} الصغائر {(وَاغْفِرْ لَنا)} الكبائر {(وَارْحَمْنا)} بتثقيل الميزان. وقيل: معناه: {(وَاعْفُ عَنّا)} في سكرات الموت {(وَاغْفِرْ لَنا)} في ظلمة القبور {(وَارْحَمْنا)} في أهوال القيامة.
قوله تعالى:{أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ}(٢٨٦)؛ أنت وليّنا وناصرنا ومتولّي أمورنا، {(فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ)} أي أعنّا عليهم في إقامة الحجة وإظهار الدين كما وعدتنا.
روي عن عبد الله بن عباس: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم [لمّا قرأ {غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} قال: قد غفرت لكم، فلمّا قرأ:{رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا} قال: