للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفّاثاتِ فِي الْعُقَدِ} (٤)؛أي من شرّ السّواحر ينفثن؛ أي يسحرن في عقد السحر، وهن الجماعات السواحر، وذلك أنّهن إذا أردن الإضرار بإنسان نفثن عليه ورقّينه بكلام فيه كفر وشرك وتعظيم الكواكب من الأدوية الضارّة والسّموم القاتلة بالاحتيال، ثم يزعمن إذا ظهر الضّر عليه أنّ ذلك من رقاهنّ.

وإذا أردن نفع إنسان نفثن عليه، واحتلن أن يسقينه شيئا من الأدوية النافعة، ثم إذا اتّفق للعليل خفّة الوجع أوهمن أنّهن اللّواتي نفعنه من النفع والرقى. والنّفث هو أن يلقي الإنسان بعض ريقه على من يعوّذه، يقال: نفث ينفث، وتفل يتفل بمعنى واحد.

قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ} (٥)؛معناه: إن الحاسد يستعظم نعمة صاحبه ويريد زوالها، فيحمله ذلك على الظّلم والبغي والاحتيال بكلّ ما يقدر عليه لإزالة تلك النعمة عنه. والحسد في اللغة بمعنى زوال النّعمة عن صاحبها لما يدخل على النفس من المشقّة بها.

ويقال: معناه: التلهّف على جود الله تعالى، وهذا هو الحسد المذموم، وأما إذا تمنى لنفسه نعمة من الله تعالى مثل نعمة صاحبه من غير أن يتمنّى زوالها عنه، فذلك يكون غبطة، ولا يكون حسدا.

وذهب بعض المفسّرين إلى أنّ المراد بهذه الآية: استعاذة من شرّ عين الحاسد، واستدلّ على ذلك بما روي: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمر عائشة أن تسترقى من العين (١)، ويستحبّ للعائن عند إعجابه بما يراه أن يقول: ما شاء الله لا قوّة إلاّ بالله، كما روى أنس عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: [من رأى شيئا يعجبه فقال: الله الله! ما شاء الله لا قوّة إلاّ بالله، لم يضرّه شيء] (٢).


(١) أخرجه البخاري في الصحيح: كتاب الطب: باب رقية العين: الحديث (٥٧٣٨).ومسلم في الصحيح: كتاب السّلام: باب استحباب الرقية من العين: الحديث (٢١٩٥/ ٥٦).
(٢) رواه الديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب: الرقم (٥٦٩٦ و ٥٦٩٧) عن أنس بن مالك. وفي-

<<  <  ج: ص:  >  >>