للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق الذي جاءوا منها، ويسألون عن نفيل بن حبيب ليدلّهم على الطريق إلى اليمن، فقال نفيل حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته:

أين المفرّ والإله الطّالب ... والأشرم المغلوب ليس الغالب

وكان أبرهة أشرم من ضربة ضربه إياها إرياط بحربة على جبهته، فشرمت حاجبه وعينه وأنفه وشفتيه، فكان يسمى الأشرم من حينئذ.

قال ابن اسحاق: فجعل عسكر أبرهة يتساقطون من الحجارة بكلّ طريق، ويهلكون على كلّ منهل، وأصيب أبرهة في جسده وخرجوا به معهم تسقط أنامله أنملة أنملة، كلّما سقطت أنملة منها تبعتها مدّة تمثّ (١) قيحا ودما (٢)،حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطائر، فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه (٣).

فلمّا بعث الله محمّدا صلّى الله عليه وسلّم كان مما يعدّ الله على قريش من النّعم عليهم وفضله ما ردّ عنهم من أمر الحبشة لبقاء أمرهم، فقال تعالى {(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ ... )} إلى آخرها.

قوله تعالى: {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ} (٢)؛معناه: ألم يجعل مكرهم في بطلان حيث لم ينتفعوا به.

قوله تعالى: {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ؛} من البحر؛ {طَيْراً أَبابِيلَ} (٣)؛ أي كثيرة يتبع بعضها بعضا، وقيل: أقاطيع كالإبل المؤبّلة، والأبابيل: جماعة في تفرقة، زمرة لا واحد لها عند أبي عبيدة والفرّاء، ويقال: واحدها أبول كما يقال عجول وعجاجيل، ويجوز أن يكون واحدها إبيل، كما يقال: إكليل وأكاليل.

قوله تعالى: {تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ} (٤)؛أي بحجارة من طين مطبوخ خالصة، كما يطبخ الآجر. وقيل: السجّيل الشديد، كأنه قال: من شديد


(١) تمث: ترشح.
(٢) في المخطوط: (مدة ثم قيح ودم).والصحيح كما أثبتناه.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (٢٩٤٠٥) وفيه بعض اختلاف في اللفظ والشعر.

<<  <  ج: ص:  >  >>