للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأسراكم عندهم أو بمال، والمعنى: فإمّا بعد أن تأسروهم إما مننتم عليهم منّا فأطلقتموهم بغير عوض، وإما أن تفدوا فداء.

وعن ابن عبّاس قال: (هذه الآية منسوخة بقوله {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (١)).وإليه ذهب أبو حنيفة وقال: (لا يجوز المنّ على الأسير ولا الفداء بالمال ولا بغير المال من الأسارى، ولا يباع السّبي من أهل الحرب) (٢).

ولم يختلف أهل التفسير في أنّ التوبة نزلت بعد سورة محمّد صلّى الله عليه وسلّم، ولا خلاف بين العلماء في جواز قتل الأسير وجواز قسمة الأسارى بين المسلمين إذا لم يكن الأسارى من العرب، وإنما اختلفوا في جواز المنّ عليهم في مفاداتهم بالمال أو النفس.

قال الشافعيّ: (يجوز المنّ عليهم لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم منّ على أبي عزّة الشّاعر يوم بدر على أن لا يقاتل، فرجع إلى مكّة ثمّ عاد بعد ذلك للقتال فأسر، فأمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بقتله) (٣).فأجاب أصحابنا عن هذا إنّما منّ عليه كما منّ العرب، وكان لا يجوز استرقاقه، وقال أبو يوسف ومحمّد: (تجوز مفاداة الأسير) (٤).

قوله تعالى: {(حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها)} أي حتى يضع أهل الحرب أسلحتهم، والأوزار في اللغة: الأثقال، وقيل: المراد بالأوزار هنا الآثام، وقال ابن عبّاس: (معنى قوله {(حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها)} أي حتّى لا يبقى أحد من


(١) ليس هذا الرأي على إعمامه، فهو خاصّ بالعرب، قال التهنوي: (فإنا لا نجيز استرقاق مشركي العرب، وهم المرادون بقوله تعالى: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فهم الذين ضرب الله لهم الأجل، أجلهم أربعة أشهر بقوله: (براءة) ثم أمر بقتلهم بعد انسلاخ أربعة أشهر، ولم يرخّص في المنّ عليهم ولا المفاداة بهم، ولا في استرقاقهم).ينظر: إعلاء السنن: مج ٧ ج ١٢ ص ١١٠ - ١١١.
(٢) ينظر: كتاب الأم للشافعي: كتاب اختلاف الحديث: ج ٨ ص ٤٩٤:باب قتل الأسرى والمفاداة بهم والمن عليهم.
(٣) في إعلاء السنن: مج ٧ ج ١٢ ص ١١٤؛قال التهانوي: (وقال أبو يوسف: تجوز المفاداة بالأسرى قبل القسمة لا بعدها. وعند محمد تجوز بكل حال).

<<  <  ج: ص:  >  >>