للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبيّن الله تعالى: {إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} (٦٤)؛أي تنبت في قعر الجحيم، قال الحسن: (أصلها في قعر جهنّم، وأصلها في دركاتها، بالنّار غذّيت ومنها خلقت بلهب النّار، كما ينمو شجر بالماء، كلّما ازدادت النّار التهابا ازدادت تلك الشّجرة نموّا وارتفاعا، وإنّ أهل النّار ليأكلون ويشربون ويلبسون النّار، ويتقلّبون في النّار، وإنّ أهون أهل النّار عذابا رجل يكون له نعلان يغلي من حرّهما دماغه) (١).

قوله تعالى: {طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ} (٦٥)؛أي ثمرها كريه مرّ هائل المنظر كأنه حيّات هائلات الرّءوس تكون في طريق اليمن، تسمّي العرب تلك الحيّات رءوس الشّياطين لقبحها. وقال بعضهم: أريد به الشياطين المعروفة، وقد اعتقد الناس قبحهم وقبح رءوسهم، وإن لم يشاهدوهم، ولذلك يشبهون الشيء القبيح بالشياطين، يقول الرجل: رأيت فلانا كأنّه شياطين، ورءوسه رأس الشيطان، فالشياطين موصوفة بالقبح وإن كانت لا ترى.

قوله تعالى: {فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها؛} أي من ثمرها، {فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ} (٦٦)؛وذلك أنّ الله تعالى يلقي من أهل النار من شدّة الجوع ما يلجئوهم الى أكلها بما هي عليه من الحرارة والمرارة والخشونة، فيبتلعونها على جهد حتى يختنقوا بها وتمتلئ بطونهم منها، ويكون حالهم في الأكل منها أضرّ كحالهم في الأكل منها أولا.

وقوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ} (٦٧)؛وذلك أنّ الله تعالى يلقي عليهم عطشا بعد ذلك حتى يشربوا من الحميم، وهو الماء الحارّ الذي قد انتهى حرّه، والشّوب كما هو خلط الشيء بما ليس منه، بما هو شرّ منه، يقال له شابه الشيء إذا خالطه، فشوب الجحيم في بطونهم الزقوم فيصير شوبا له.


(٤) -والاختبار، فإن هذا الشيء بعيد عن العرف والعادة، وإذا ورد على سمع المؤمن فوّض علمه إلى الله، وإذا ورد على الزنديق توسّل به إلى الطعن في القرآن والنبوّة).
(١) ذكره البغوي في معالم التنزيل: ص ١٠٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>