للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ؛} أي فلا تلنّ القول للرّجال على وجه يورث ذلك الطمع فيكن، فيطمع المنافقون في مواقعتكن، فقوله تعالى: {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ؛} يعني زنى وفجور ونفاق. والمرأة مندوبة إذا خاطبت الأجانب إلى الغلظة في المقالة؛ لأن ذلك أبعد من الطّمع من الزّينة.

وإنّما قال {(لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ)} ولم يقل كواحدة؛ لأن أحدا عامّ يصلح للواحد والاثنين والجمع والمذكّر والمؤنث، قال تعالى {(لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ)} (١) وقال تعالى {فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ} (٢).

قوله تعالى: {وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} (٣٢)؛أي قلن قولا حسنا لا يؤدّي إلى الزينة، وقيل: معناه: وقلن ما يوجبه الدّين والإسلام بغير خضوع فيه، بل بتصريح وبيان.

قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ؛} أي الزمن بيوتكن ولا تخرجن إلاّ في ضرورة.

قرأ نافع وعاصم {(وَقَرْنَ)} بفتح القاف، وهو من قررت في المكان أقرّ، وكان الأصل اقررن في بيوتكنّ، فحذفت الرّاء الأولى التي هي عين الفعل لأجل نقل التّضعيف، وألقيت حركتها على القاف كقوله {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} (٣) و {ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً} (٤)،والأصل ظللت وظللتم. وقرأ الباقون «(وقرن)» بكسر القاف من الوقار؛ أي كنّ أهل سكينة ووقار، والأمر منه للرّجل قرّ، وللمرأة قرّي، ولجماعة النساء قرن، كما يقال من الوعد: عدن، ومن الوصل: صلن.

وعن محمّد بن سيرين قال: (قيل لسودة بنت زمعة: ألا تحجّين؛ ألا تعتمرين كما يفعل أخواتك؟ فقالت: قد حججت واعتمرت، ثمّ أمرني الله أن أقرّ في بيتي، فو الله لا أخرج منه حتّى أموت. فو الله ما أخرجت من باب بيتها حتّى أخرجوا جنازتها رضي الله عنها) (٥).


(١) البقرة ٢٨٥/.
(٢) الحاقة ٤٧/.
(٣) الواقعة ٦٥/.
(٤) طه ٩٧/.
(٥) في الدر المنثور: ج ٦ ص ٥٩٩؛ قال السيوطي: (أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن سيرين) وذكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>