للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً؛} أي قال العلماء العاملون الرّاغبون في الآخرة للّذين تمنّوا ما أوتي قارون: (ويلكم! ثواب الله خير) أي ارتدعوا عن مقالتكم؛ فإنّ ثواب الله في الآخرة خير لمن آمن وعمل صالحا، وقام بالفرائض خير مما أعطي قارون في الدّنيا، وخير من الدّنيا وما فيها.

قوله تعالى: {وَلا يُلَقّاها إِلاَّ الصّابِرُونَ} (٨٠)؛أي لا يؤتى الأعمال الصالحة، يدلّ عليه قوله تعالى: {وَعَمِلَ صالِحاً} (١)،وقال الكلبيّ: (ولا يعطاها في الآخرة إلاّ الصّابرون على أمر الله) (٢) أي الجنّة، يدلّ عليه قوله تعالى: {(ثَوابُ اللهِ)}.

قوله تعالى: {فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ؛} أي فخسفنا بقارون وقصره الذي بناه عقوبة له على كفره، وذلك أنّه لمّا أضاف النّعم التي أعطاه الله إياها إلى فعل نفسه وعمله، ولم ينسبها بتسهيل الله ذلك عليه؛ صار كافرا بنعم الله.

وقيل في سبب خسفه: أنه لمّا حسد موسى وهارون دعا امرأة ذات جمال معروفة بالفجور، وجعل لها ألف درهم-وقيل: ألف مثقال-وقال لها: إنّي أخلطك بنسائي على أن تقذفي موسى بنفسك غدا إذا حضر بنو إسرائيل، وتذكري أنه راودك عن نفسك! فأجابت قارون إلى ذلك، فلمّا كان من الغد، جمع قارون بني إسرائيل، ثم أتى موسى فقال له: إنّ بني إسرائيل قد اجتمعوا ينظرون خروجهم لتأمرهم وتنهاهم.

فخرج موسى فقام فيهم يعظهم ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، قال:

يا بني إسرائيل؛ من سرق قطعناه، ومن افترى جلدناه ثمانين، ومن زنى وليست له امرأة جلدناه مائة، ومن زنى وله امرأة رجمناه حتّى يموت. قال قارون: وإن كنت أنت؟! قال: وإن كنت أنا. قال: فإنّ بني إسرائيل يزعمون أنّك فجرت بفلانة! فقال موسى: ادعوها، فدعوها وقد ألهمها الله التوبة والتوفيق، فقالت في نفسها: لإن أحدث اليوم توبة خير من أن يؤذى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.


(١) الفرقان ٧١/.
(٢) ذكره البغوي في معالم التنزيل: ص ٩٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>