للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلم يزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعرضها عليه وهما يعاودانه على تلك المقالة حتّى قال أبو طالب آخر ما كلّمهم به: أنا على ملّة عبد المطّلب، وأبى أن يقول: لا إله إلاّ الله، فأنزل الله في أبي طالب، وقال لرسوله: {(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ)} (١) {وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ؛} قال الزجّاج: (ابتداء نزولها بسبب أبي طالب، وهي عامّة؛ لأنّه لا يهدي إلاّ الله عزّ وجلّ) (٢). {وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (٥٦).

قوله تعالى: {وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا؛} أي قالت قريش لمحمّد صلّى الله عليه وسلّم: إن اتّبعناك على دينك يتخطّفنا العرب على أنفسنا أن يخرجوا من أرضنا مكّة إن تركنا ما يعبدون. قال الله تعالى: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً} أي ذا أمن يأمن فيه الناس.

وذلك أن العرب كانت يغير بعضهم على بعض، وأهل مكّة آمنون في الحرم من القتل والسّيف والغارة؛ أي فكيف يخافون إذا أسلموا وهم في حرم آمنون. ومعنى {(أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً)} أي أو لم نجعله مكانا لهم.

وقوله تعالى: {يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ؛} ومعنى {(يُجْبى)} أي يحمل إلى الحرم {(ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً)}.قرأ نافع ويعقوب: «(تجبى)» بالتاء لأجل الثّمرات، وقرأ الباقون بالياء لقوله {(كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً)} ومعنى «(تجبى)» أي تحمل إلى الحرم {(ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ)} من مصر والشّام واليمن والعراق.

وقوله تعالى: {رِزْقاً مِنْ لَدُنّا؛} أي رزقا من عندنا، {وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} (٥٧)؛أنّا فعلنا ذلك يعني أهل مكّة، والمعنى: أو لم يجعل أهل مكّة في أمان قبل الإيمان يجبى إلى الحرم ثمرات كلّ شيء نعمة من عندنا، فكيف يخافون زوال الأمان، {(وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)} لأنّهم لا يتدبّرون ولا يتفكّرون.

ثم خوّفهم بمثل عذاب الأمم الخالية، فقال: {وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها؛} أي وكم أهلكنا من أهل قرية بطرتها معيشتها، والبطر: الطّغيان


(١) رواه مسلم في الصحيح: كتاب الإيمان: الحديث (٢٤/ ٣٩).
(٢) ينظر: معاني القرآن وإعرابه: ج ٤ ص ١١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>