للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قبلك قد كذّبوا، {وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً} (٣١)؛لك وللخلق وناصرا لك على أعدائك. وانتصب قوله {(هادِياً)} على الحال أو على التمييز.

قوله تعالى: {وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً؛} وذلك أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمّا تحدّاهم بالقرآن وأمرهم أن يأتوا بسورة من مثله، فعجزوا عن ذلك ولزمتهم الحجة فجعلوا يطلبون الحجّة بالشّبهة، فقالوا: لو كان نبيّا لأنزل عليه القرآن جملة واحدة، كما أنزلت التوراة والإنجيل والزّبور.

والمعنى: أن الكفار قالوا: هلاّ أنزل عليه القرآن جملة واحدة في وقت واحد، كما أنزلت التوراة على موسى؛ والإنجيل على عيسى؛ والزبور على داود، فبيّن الله أن ذلك ليس بشبهة، فقال: {كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ؛} أي كذلك أنزلناه إليك متفرّقا لنقوّي به قلبك، فتزداد به بصيرة ويسهل عليك ضبطه وحفظه، فإنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقرأ ولا يكتب، بخلاف موسى وعيسى. ويقال: كأنّ الله تعالى يعلم أن القوم يسألونه عن أشياء ويؤذونه، فأنزل الجواب عقب السّؤال ليكون أحسن موقعا وأدعى إلى الانقياد وأبلغ في إلزام الحجّة.

وقوله تعالى: {وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً} (٣٢)؛أي فرّقناه تفريقا، فقال لو رتل إذا كان متفرّقا غير منظوم، وأسنان مرتّلة: اذا كانت مفلّجة، ومنه قوله {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} (١) أي فرّق الحروف بعضها ببعض. قال ابن عباس: (معناه: وبيّنّاه تبيينا)، وقال السديّ: (فصّلناه تفصيلا) (٢).

قوله تعالى: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} (٣٣) أي لا يأتوك بشبهة للاحتجاج بها في إبطال أمرك إلاّ جئناك بالذي هو الحقّ، والذي هو أحسن تفسيرا من مثلهم.

والمعنى: {(لا يَأْتُونَكَ)} يعني المشركين {(بِمَثَلٍ)} ضربوه لك في إبطال أمرك ومخاصمتك {(إِلاّ جِئْناكَ)} (ب‍) الذي هو (الحقّ) لتردّ به خصومتهم وتبطل به كيدهم، {(وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً)} بما أتوا به من المثل. والتفسير: كشف المعنى المغطّى.


(١) المزمل ٤/.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير: الأثر (١٥١٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>