أبيّ بن خلف) ويقال: معناه: ما ليس بشيء من الملائكة والجنّ والشياطين، وسائر الأصناف أجدل من الإنسان. وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:[ما ضلّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلاّ أعطوا الجدل](١).
قوله تعالى:{وَما مَنَعَ النّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً}(٥٥)؛أي ما منع أهل مكة أن يؤمنوا {(إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى)} يعني محمّدا صلّى الله عليه وسلّم جاءهم من الله بالرّشاد، {(وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ)} أي يتوبوا من الكفر، ما منعهم من ذلك إلاّ طلب أن يأتيهم سنّة الأوّلين؛ وهو أنّهم إذا لم يؤمنوا جاءهم العذاب من حيث لا يشعرون، أو مقابلة من حيث يرون. وهذه الآية فيمن قتل من المشركين ببدر وأحد؛ وهو قوله تعالى: {(أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً)} أي عيانا مقابلة. وقرأ أهل الكوفة {(قُبُلاً)} بضمّ القاف والباء، جمع قبيل؛ أي صنوف من العذاب، وضروب منه مختلفة.
قوله تعالى:{وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ؛} ظاهر المعنى، {وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ؛} أي يخاصم الذين كفروا بالكتاب والرّسل بالحجّة الباطلة، {لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ؛} أي ليبطلوا بها الإسلام والقرآن. قال ابن عبّاس:(يعني المستهزءين والمقتسمين وأتباعهم)،يقال: دحضت حجّته إذا بطلت. قوله تعالى:{وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً}(٥٦)؛أي اتّخذوا القرآن وما خوّفوا به من النار يوم القيامة هزوا.
وقوله:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ؛} أي ليس أحد أظلم ممن وعظ بالقرآن، وما فيه من الوعيد، {فَأَعْرَضَ عَنْها؛} أي تهاون بها ولم يتفكّر فيها. وقوله تعالى:{وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ؛} أي ونسي ذكر ما عملت يداه وتغافل عن ذكره، {إِنّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ؛} أي أغطية؛ لئلاّ
(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند: ج ٥ ص ٢٥٢.والترمذي في الجامع: كتاب التفسير: باب ومن سورة الزخرف: الحديث (٣٢٥٣).وابن ماجة في السنن: كتاب السنن: باب اجتماع البدع والجدل: الحديث (٤/ ٤٨).والحاكم في المستدرك: كتاب التفسير: باب ما ضل قوم بعد هدى: الحديث (٣٧٢٦).والطبراني في الكبير: الحديث (٨٠٦٧).