قوله تعالى:{وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً}(٣٣)؛أي فجّرنا وسط البساتين نهرا نسقيها،
{وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ؛} أي كان لهذا الكافر ذهب وفضة ومن كل المال، وقيل: من قرأ: «(ثمر)» بضم الثاء، فمعناه صنوف من الأموال: الذهب والفضة وغيرهما، يقال: أثمر الرجل إذا كثر ماله. ومن قرأ بنصب الثّاء كان معناه ثمرة البساتين، والأول هو الأقرب لأن قوله {(كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها)} يدلّ على الثّمار، فاقتضى أن يكون الثمر غير ذلك.
قوله تعالى:{فَقالَ لِصاحِبِهِ؛} أي لأخيه المسلم؛ {وَهُوَ يُحاوِرُهُ؛} أي يراجعه بالكلام ويفاخره: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً}(٣٤)؛يعني خدما وحشما وولدا، يتطاول بذلك على أخيه، ورأى تلك النعمة من قبل نفسه لا من قبل الله.
قوله تعالى:{وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ؛} أي دخل الكافر بستانه وهو ظالم لنفسه بالكفر وترك الشّكر؛ {قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً}(٣٥) أي ما أظنّ أن تفنى هذه أبدا. قال المفسّرون: أخذ بيد أخيه المسلم فأدخله جنّته، وطاف به فيها، وأراه إياها وجعل يعجبه منها، ويقول ما أظنّ أن تفنى هذه أبدا،
قوله تعالى:{وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً}(٣٦)؛ يعني لئن كان البعث حقّا، ورددت إلى ربي على زعمك لأجدنّ في الآخرة خيرا منها مرجعا ومنزلا، ولم يعطني الله هذه في الدّنيا إلاّ ولي عنده أفضل منها لكرامتي عليه، فمعناه الجنّتين التي تقدّم ذكرهما (١)،وفي هذا بيان أن هذا الكافر لم يكن قاطعا لنفي المعاد، ولكن كان شاكّا فيه، والشاكّ في المعاد كافر.
(١) في اللباب في علوم الكتاب: ج ١٢ ص ٤٨٨؛قال ابن عادل: (معناه: ولئن رددت إلى ربي على زعمك، يعطيني هنالك خيرا منها. والسبب في وقوع هذه الشبهة أنه تعالى لمّا أعطاه المال والجاه في الدنيا، ظن أنه إنما أعطاه ذلك لكونه مستحقا له؛ والاستحقاق باق بعد الموت، فوجب حصول الإعطاء، والمقدمة الأولى كاذبة؛ فإن فتح باب الدنيا على الإنسان، يكون في أكثر الأمر للاستدراج).