للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{كِلاهُما؛} أي إن عاشا عندك أيّها الإنسان حتى يكبرا، وقرأ حمزة والكسائي «(يبلغان)»؛لأن الوالدين قد ذكر قبله.

قوله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ؛} تقذّرا حين ترى منهما شيئا من الأذى، بل أمط عنهما كما كانا يميطان عنك في حالة الصّغر، والأفّ هو وسخ الأظفار، والتّفّ وسخ الأذن، والمعنى: لا تتأذى بهما، كما لم يكونا يتأذيان بك، قال صلّى الله عليه وسلّم: [لو علم الله شيئا من العقوق أدنى من أفّ لحرّمه، فليعمل العاقّ ما شاء أن يعمل، فلن يدخل الجنّة. وليعمل البارّ ما شاء أن يعمل، فلن يدخل النّار] (١).

قوله تعالى: {وَلا تَنْهَرْهُما؛} أي لا تزجرهما بإغلاظ وصياح في وجوههما، ولا تكلّمهما ضجرا، {وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً} (٢٣)؛أي يكون فيه كرامة لهما كقول العبد المذنب للسيّد الغليظ، كذا قال ابن المسيّب، وقال عطاء:

(لا تشتمهما ولا تبكيهما، وقل لهما: يا أبتاه، يا أمّاه).

قوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ؛} أي وكن لهما متضرّعا متذلّلا، فإنّ خفض الجناح عبارة عن الخضوع، والمبالغة في التذلّل والتواضع، وعن عطاء أنه قال: (جناحك يدك، فلا ينبغي لك أن ترفع يديك عند أبويك، ولا أن تحدّ بصرك عليهما تعظيما لهما).

وعن عروة بن الزّبير قال: (ما أبرّ والده من أحدّ النّظر إليه).وقيل: خفض الجناح عبارة عن السّكون، قرأ الحسن وسعيد بن جبير وعاصم: «(جناح الذّلّ)» بكسر الذال؛ أي لا تستصعب معهما.

قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً} (٢٤)؛وهذا أمر بالدّعاء لهما بالرحمة والمغفرة إذا كانا مسلمين، والمعنى: رب ارحمهما مثل رحمتهما إيّاي في صغري حتى ربّياني، وقال قتادة: (هكذا علّمتم، بهذا أمرتم) (٢).


(١) أخرجه الديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب: الرقم (٥٠٦٣ من حديث الحسين بن علي. وفي الجامع لأحكام القرآن: ج ١٠ ص ٢٤٣؛ قال الطبري: (روي من حديث علي بن أبي طالب).
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٦٧٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>