الأولى: ما علمت لكم من إله غيري، وكان بين الأولى والأخرى أربعين سنة) (١).
وهذه الرواية صحيحة إلاّ قوله:(مخافة أن يتوب فيتوب الله عليه) لأنه لا يخلو إما أن يكون التكليف ثابتا في ذلك الوقت أو غير ثابت، فإن كان ثابتا لم يجز على جبريل عليه السّلام أن يمنعه من التوبة، ولو منعه من التكلّم باللسان لكانت ندامة فرعون بالقلب كافية في توبته؛ لأن الأخرس إذا تاب بالندم بقلبه وعزم على ترك المعاودة إلى القبيح كانت توبته صحيحة.
وإن لم يكن التكليف ثابتا في ذلك الوقت لم يكن للمنع عن التوبة معنى بوجه من الوجوه، وإنما لا يقبل الإيمان في وقت الإلجاء؛ لأنّ الذي يؤمن في تلك الحالة يعلم أنه لو حاول خلاف ما يؤمر به حيل بينه وبينه، فلا يكون مثابا بإعلاء ذلك الإيمان معرفته من طريق الضرورة دون الاجتهاد.
قوله:{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ؛} أي فاليوم نلقيك على نجوة من الأرض، وهي المكان المرتفع؛ أي ببدنك أي بدرعك، قال ابن عبّاس:(كان فرعون قصيرا طوله ستّة أشبار، وكانت لحيته قريبا من قامته، وكانت له درع سلاسلها من ذهب يعرفها جميع بني إسرائيل، فسألت موسى بنو إسرائيل فدعا الله فأخرجه ببدنه حتّى واراه، وعرفوا الدّرع فطابت أنفسهم بتلك).
ويقال: كان في بني إسرائيل من لا يصدّق بهلاك فرعون، ولذلك سأل موسى عليه السّلام أن يلقيه الله على نجوة من الأرض ببدنه؛ أي وحده دون قومه. وقيل: معناه:
ننجيك من الماء ببدنك دون روحك، فأما روحك فتعذب على كلّ حال. قوله:
{لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً؛} أي لمن بعدك من الكفّار آية في النّكال، لئلاّ تقول لأحد بعدك مثل مقالتك، وتعرفوا أنّك لو كنت إلها ما غرقت. قوله:{وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ}(٩٢)؛يعني لغافلون عن التفكّر في دلائلنا.
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان مختصرا وبألفاظ في الرقم (١٣٨١٦ و ١٣٨١٨) عن ابن عباس، و (١٣٨١٧) عن أبي هريرة. وأخرجه الترمذي في الجامع: كتاب التفسير: الحديث (٣١٠٨) وحسنه.