للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً؛} أي يكن أمركم عليكم ظاهرا منكشفا لا يستره شيء. والغمّة مأخوذة من الغمامة، ويقال: الغمّة الغمّ؛ أي لا يكون أمركم غمّا عليكم وفرّجوا عن أنفسكم، {ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ} (٧١)؛ أي امضوا بما تقصدون من القتل ولا تمهلون.

قال الزجّاج: (الواو في قوله {(وَشُرَكاءَكُمْ)} بمعنى مع) (١) والمعنى فاجمعوا أمركم مع شركائكم ثم لا يكون أمركم عليكم مبهما، يعني ليكن أمركم ظاهرا منكشفا لا تسترون معاداتي، ثمّ امضوا إليّ بمكروهكم وما توعدونني به. معنى قضاء الشيء امضاؤه والفراغ منه، وهذا أحد معجزات نوح عليه السّلام؛ لأنه كان وحيدا، وقد قرعهم بالعجز عن الوصول اليه وإلى قتله، فلم يقدروا عليه بسوء.

قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ؛} معناه: فإن أعرضتم عن الإيمان بما جئتكم به لم يضرّني إعراضكم، فإنّي لا أطلب منكم أجرا ولا أدعوكم إلى الإيمان لمطمع مني في مالكم، وما دعاني فيما أدعوكم عليه إلا الإيمان بالله، {إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ؛} أي وقد أمرني، {أَنْ أَكُونَ مِنَ؛} أي مع؛ {الْمُسْلِمِينَ} (٧٢)؛على دينهم.

قوله تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ؛} أي فنجّيناه ومن معه من المؤمنين من الغرق في السفينة، {وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ؛} أي جعل الله الذين نجوا مع نوح عليه السّلام من الغرق خلفا ومكانا في الأرض من قوم أهلكوا بالتكذيب، كما قال تعالى {وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ} (٢) وذلك أنّ الناس كانوا من ذرّيته بعد الغرق، وهلك أهل الأرض جميعا بتكذيبهم لنوح.

قوله تعالى: {وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا؛} أي بدلالتها حسّا، {فَانْظُرْ؛} يا محمّد، {كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ} (٧٣)؛أي كيف صار آخر أمر الذين أنذرتهم الرسل فلم يؤمنوا، وهذا تهديد لقوم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن تكذيبه


(١) قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: ج ٣ ص ٢٣.
(٢) الصافات ٧٧/.

<<  <  ج: ص:  >  >>