للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ؛} يعني قريشا، والموعظة القرآن، والمواعظة التي تدعو إلى الصلاح، {(وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ)} أي دواء لذوي الجهل، والقرآن مزيل للجهل وكاشف لعماء القلوب، {وَهُدىً؛} وبيان من الضّلالة، {وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} (٥٧)؛ أي ونعمة من الله لأصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

ومعنى الموعظة الإيابة بما يدعو إلى الصّلاح بطريق الرّغبة والرهبة. ومعنى الشّفاء ما يجده من يستدلّ إعجاز القرآن من الرّوح بزوال الشّرك والتشبيه، وهو شرح الصّدر الذي ذكره الله بقوله: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} (١).ومعنى (الهدى) بيان الشّرائع من الحلال والحرام والفرض والنّدب والإيابة.

وأما الرّحمة فهي الإنعام على المحتاج بدليل أن ملكا لو أهدى إلى ملك لم يكن له منه رحمة عليه، وأما تخصيص المؤمنين بالرحمة؛ فلأنّهم هم الذين ينتفعون بنعم الدّين.

قوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا؛} قال ابن عبّاس ومجاهد والحسن وقتادة: (فضل الله الإسلام، ورحمته القرآن) (٢) وهذا قول عامّة المفسّرين. وعن أبي سعيد الخدري قال في معنى هذه الآية: (فضل الله القرآن، ورحمته جعلكم من أهله) (٣) والمعنى: قل يا محمد لأصحابك: بالقرآن الذي أكرمك الله به والإسلام الذي وفّقكم له فافرحوا، {هُوَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ} (٥٨) يجمع اليهود والمشركون من الأموال.

وقرأ بعضهم «(فلتفرحوا)» و «(تجمعون)» كلاهما بالتاء المخاطبة. وعن محمّد بن كعب القرظي قال: (إذا عملت عملا رجاء ثواب الله فافرح، فإنّه خير لك ممّا يجمع أهل الدّنيا).


(١) الزمر ٢٢/.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٣٦٩٩) عن قتادة، والأثر (١٣٧٠٠) عن مجاهد، والأثر (١٣٧٠٣) عن ابن عباس.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٣٦٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>