للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها؛} معناه: والذين أبوا طاعة الله في ما أمرهم به ونهاهم عنه، يجازيهم الله بما يستحقّونه على العقوبة، ولا يجازيهم بأكثر من الاستحقاق، بخلاف الطاعة فإنه تعالى قد يتفضّل على المطيع بزيادة الأجر، فإنه كان يجوز أن يتّصل ابتداء بتلك الزيادة، والجزاء مرفوع بإضمار، كقوله {فَفِدْيَةٌ} (١) أي فعليه ذلك، ويجوز أن يكون مرفوعا بالابتداء خبر (بمثلها) أي مثل، الباء فيه زائدة.

قوله تعالى: {وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ؛} أي يعلوهم كآبة وكسوف وهوان؛ لأن العقاب لا يكون عقابا بمجرّد الألم، وإنما يكون عقابا بما يقارنه بإرادة الإذلال والإهانة. قوله تعالى: {ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ؛} أي ما لهم من حافظ يدفع عنهم عقاب الله. وقوله تعالى {(مِنْ عاصِمٍ)} من ههنا صلة.

وقوله: {كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً؛} أي كأنّما ألبست وجوهم قطعا من اللّيل، أكثر القراءة على فتح الطّاء وهو جمع قطعة، ويكون (مظلما) على هذه القراءة نصبا على الحال، والقطع دون النعت كأنّه أراد قطعا من الليل المظلم، فلما حذف الألف واللام نصب على القطع. ويجوز أن يكون حالا؛ أي قطعا من الليل في حال الظّلمة.

وقرأ ابن كثير والكسائي ويعقوب «(قطعا)» ساكنة الطّاء؛ أي بعضا كقوله تعالى:

{بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} (٢) ويكون (مظلما) نعتا للقطع، وقوله تعالى: {أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ} (٢٧)؛ظاهر المعنى.

قال ابن عبّاس رضي الله عنه: (نزلت هذه الآية في أهل الشّرك).وقوله: {(جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها)} أي قصاص الشّرك بالله النار، ليس في النار زيادة على جزاء المثل، إذ لا ذنب أعظم من الشّرك، ولا عقاب أشدّ من النار، كما قال تعالى: {جَزاءً وِفاقاً} (٣).وقال


(١) البقرة ١٩٦/.
(٢) الحجر ٦٥/.
(٣) النبأ ٢٦/.

<<  <  ج: ص:  >  >>