وأما السير في البرّ فإضافته إلى الله تعالى على معنى تسخير المركوب، وتسييره بإمساكه بقدرة الله تعالى أيضا. قرأ ابن عامر وأبو جعفر «(ينشركم)»،والسّير من النّشر؛ أي نبثّكم في البرّ والبحر.
قوله تعالى:{حَتّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ؛} أي حتى إذا كنتم في السّفن، وقد يكون الفلك واحدا، وقد يكون جمعا، فمن جعله واحدا فجمعه أفلاك، ومن جعله جمعا فواحد فلك، كما يقال أسد وأسد.
وقوله تعالى: {(وَجَرَيْنَ بِهِمْ)} أي السّفن جرين بأهلها بريح ليّنة ساكنة، وفرحوا بسكون ريحها وأعجبوا، قال الزجّاج:(ابتداء الكلام خطاب، وبعد ذلك إخبار عن معانيه؛ لأنّ مخاطبة الله لعباده لا تكون إلاّ على لسان الرّسول، وذلك بمنزلة الإخبار عن الغائب)(١).
قوله تعالى:{وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ؛} أي ركوبهم الموج من كلّ جانب. وقوله تعالى:{وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ؛} أي أيقنوا أنه قد دنا هلاكهم، تقول العرب لكلّ من وقع في الهلاك، أو بليّة عظيمة: أحيط بفلان؛ أي أحاط به الهلاك.
قوله تعالى:{دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ؛} أي دعوا الله ليكشف ذلك عنهم، مخلصين له الاعتقاد، لا يدعون عند الشدّة غيره، قال الحسن:(ليس هو إخلاص الإيمان، ولكنّه لعلمهم بأنّه لا ينجيهم من تلك الشّدّة إلاّ الله عزّ وجلّ).
قوله تعالى:{لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ؛} أي من هذه الرّيح الشديدة والغرق، {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ}(٢٢)؛لك على نعمائك.
قوله تعالى:{فَلَمّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ؛} فلما أنجاهم من البحر إذا هم يتطاولون على أنبياء الله وأوليائه، ويعملون بالمعاصي
(١) قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: ج ٣ ص ١١.وفي المطبوع اختصر العبارة أو سقطت منه. وعبارة الإمام الطبراني أتم وأوضح في المعنى.