للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ؛} عطف على ما تقدّم. وقيل: المراد بهم جميع المذكورين من أوّل الآية إلى هذا الموضع، وهذه الصّفة من أتمّ ما يكون من المبالغة في وصف العباد بطاعته لله، والقيام بأوامره والانتهاء عن زواجره؛ لأن الله تعالى بيّن حدوده في الأمر والنهي وفي ما ندب إليه فرغّب فيه أو خيّر فيه، وبيّن ما هو الأولى في مجرى طاعة الله تعالى، فإذا قام العبد بفرائض الله وانتهى إلى ما أراد الله منه كان من الحافظين لحدود الله، كما روي عن خلف بن أيّوب: أنّه أمر امرأته أن تمسك إرضاع ولده في بعض اللّيل وقال: قد تمّت له سنتان، قيل له: لو تركتها حتّى ترضعه هذه اللّيلة، قال: فأين قوله تعالى: {(وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ)}. قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (١١٢)؛أي بشّرهم بالجنة.

قوله تعالى: {ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى؛} قال ابن عبّاس: (وذلك أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سأل عن أبويه أيّهما أحدث عهدا به؟ فقيل: أمّك، فقال: [هل تعلمون موضع قبرها؟ لعلّي آتيه فأستغفر لها، فإنّ إبراهيم عليه السّلام استغفر لأبويه وهما مشركان] فقال المسلمون:

ونحن أيضا نستغفر لآبائنا وأهلينا. فانطلق صلّى الله عليه وسلّم حتّى أتى القبر، فإذا هو بجبريل عليه السّلام عند القبر، فوضع يده في صدر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقرأ عليه هذه الآية) (١).

قال أبو هريرة رضي الله عنه: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: [استأذنت ربي أن أستغفر لوالديّ فلم يأذن لي، واستأذنت أن أزور قبرهما فأذن لي] (٢).ومعنى الآية: ما ينبغي وما يجوز للنبيّ والذين آمنوا أن يطلبوا المغفرة للمشركين، ولو دعتهم رقّة القرابة إلى الاستغفار لهم، {مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ} (١١٣)؛أي من بعد ما ظهر لهم أنّهم أصحاب النار بأنّهم ماتوا على الكفر.


(١) في الدر المنثور: ج ٤ ص ٣٠٢؛ قال السيوطي: ((أخرجه الطبراني وابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس)).
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان: الحديث (١٤٣٧٢).ومسلم في الصحيح: كتاب الجنائز: باب استئذان النبي صلّى الله عليه وسلّم: الحديث (٩٧٦/ ١٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>