كان خفيّا على إخلاص وخضوع لا يشوبه رياء وسمعة. وقوله تعالى {(فِي نَفْسِكَ)} إشارة إلى الإخلاص.
وقيل: المراد بقوله {(وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ)} الذكر بالكلام الخفيّ، وبقوله {(دُونَ الْجَهْرِ)} إظهار الكلام بالصّوت العالي. وقال ابن عباس:(معنى {(وَاذْكُرْ رَبَّكَ)} يعني القراءة في الصّلاة (تضرّعا) أي جهرا {(وَخِيفَةً)} أي سرّا {(دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ)} أي دون رفع الصّوت في خفض وسكون سمّع من خلفك القرآن).
وقال أهل المعاني: {(وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ)} أي اتّعظ بالقرآن واعتبر بآياته، واذكر ربّك في ما يأمرك بالطاعة (تضرّعا) أي تواضعا وتخشّعا (وخيفة) أي خيفة من عقابه. وقال مجاهد:(أمر أن يذكر في الصّدور، وأمر بالتّضرّع والاستكانة، ويكره رفع الصّوت والنّداء والصّياح في الدّعاء)(١).
قوله تعالى: {(بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ)} أي صلاة الغداة والمغرب والعشاء، والأصيل في اللغة: ما بين العصر إلى اللّيل، وجمعه أصل، ثم آصال جمع الجمع، ثم أصائل. وقيل: يعني (بالغدوّ والآصال):البكر والعشاء. وقوله تعالى:{وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ}(٢٠٥)؛زيادة تحريض على ذكر الله عزّ وجلّ؛ كي لا يغفل الإنسان عن ذلك في أوقات العبادة.
قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ} معناه: أن الملائكة المقرّبين الذين أكرمهم الله لا يتعظّمون عن طاعته إن استكبرتم أنتم فهم أفضل منكم، وهم الملائكة لا يستكبرون عن عبادته وينزّهونه عن ما لا يليق به، {وَلَهُ يَسْجُدُونَ}(٢٠٦)؛أي يصلّون فيخرّون له سجّدا في صلاتهم. وقوله تعالى: {(عِنْدَ رَبِّكَ)} يريد قربهم من الفضل والرّحمة لا من حيث المكان والمسافة.
وعن معاذ بن جبل عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال:[كان جبريل عليه السّلام إذا أقبل بشيء من القرآن فيه سجود قرأ ثمّ يخرّ ساجدا ويأمرني بذلك، ثمّ يقول: يا محمّد واجب عليك وعلى أمّتك].وعن إبراهيم قال: (من قرأ آخر الأعراف إن شاء ركع
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٢١٢٨) مختصرا.