للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النّاس بأعمالكم خلاف ما كنتم تروني من قلوبكم، فاليوم أذيقكم من عذابي ما حرمتكم من ثوابي] (١).

فإن قيل: لم أمر الله تعالى بقتال الكفار المعلنين الكفر ولم يأمر بقتال المنافقين وهم في الدّرك الأسفل من النار؛ وخالف بين أحكامهم وأحكام الكفار المظهرين الكفر وأجراهم مجرى المسلمين في التوارث والأنكحة وغيرها؟ قيل: عقوبات الدنيا ليست على قدر الإجرام؛ وإنّما هي على ما يعلم الله من المصالح؛ ولهذا أوجب رجم الزاني المحصن ولم يزل عنه الرجم بالتوبة؛ والكفر أعظم من الزنا ولو تاب منه قبلت توبته. وكذلك أوجب الله على القاذف بالزنا الجلد ولم يوجبه على القاذف بالكفر؛ وأوجب على شارب الخمر الحدّ ولم يوجبه على شارب الدم.

قوله عزّ وجلّ: {أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى؛} أي أخذوا الضّلالة وتركوا الهدى؛ واختاروا الكفر على الإيمان. وإنّما أخرجه بلفظ الشراء والتجارة توسّعا؛ لأن الشراء والتجارة راجعان إلى الاستبدال والاختيار؛ لأنّ كل واحد من المتبايعين يختار ما بيد صاحبه على ما في يده. قوله عزّ وجلّ: {فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ؛} أي فما ربحوا في تجارتهم؛ تقول العرب: ربح بيعك وخسرت صفقتك؛ ونام ليلك؛ توسّعا. قال الله تعالى: {فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ} (٢).وقرأ ابن أبي عبلة: «(فما ربحت تجاراتهم)» على الجمع. وقوله تعالى: {وَما كانُوا مُهْتَدِينَ} (١٦)؛أي من الضّلالة؛ وقيل: معناه وما كانوا مصيبين في تجارتهم.

قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً؛} أي مثل المنافقين في إظهارهم الإسلام وحقنهم دماءهم وأموالهم كمثل رجل في مفازة في ليلة مظلمة


(١) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير: ج ١٧ ص ٨٠:الحديث (١٩٩ و ٢٠٠).وفي المعجم الأوسط: الحديث (٥٤٧٤) عن عدي بن حاتم. وأبو نعيم في الحلية: ج ٤ ص ١٢٤ - ١٢٥. وقال: «غريب من حديث الأعمش، لم نكتبه إلا من حديث أبي جنادة. وفيه [يؤمر بناس من النّاس ... ]».وفي مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: ج ١٠ ص ٢٢٠؛قال الهيثمي: «وفيه أبو جنادة، وهو ضعيف».
(٢) محمد:٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>