للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي قوله: (يكذبون) خلاف بين القرّاء، فقرأ أهل الكوفة بفتح الياء وتخفيف الذّال؛ أي بكذبهم إذ قالوا: آمنّا، وهم غير مؤمنين (١).

قوله عزّ وجلّ: {وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ؛} قرأ الكسائيّ؛ ويعقوب؛ وهشام: «قيل» و «حيل» (٢)،و «سيق» (٣)،و «جئ» و «سيء» (٤) بإشمام الضمّة (٥).ومعنى الآية: وإذا قيل للمنافقين وقيل لليهود؛ أي إذا قال لهم المؤمنون: لا تفسدوا في الأرض بالكفر والمعصية والمداهنة وتعويق النّاس عن الإيمان بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم والقرآن، {قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ} (١١)؛أي عاملون بالطّاعة ومصلحون بالمداهنة؛ لأنّهم كانوا يقولون: لا نعادي المؤمنين ولا الكفار؛ نداري هؤلاء وهؤلاء؛ حتى إذا غلب أحد الفريقين لا يأتينا من دائرتهم شيء (٦).

يقول الله تعالى: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ،} (ألا) كلمة تنبيه، والمعنى: ألا إنّهم هم المفسدون بالمداهنة والعاملون بالمعصية، وقوله تعالى: (هم) عماد وتأكيد. قوله تعالى: {وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ} (١٢)؛أي لا يعلمون ما أعدّ الله لهم من العذاب. وقيل: لا يعلمون أنّهم كذلك.

قوله تعالى: {وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النّاسُ؛} أي إذا قيل للمنافقين: صدّقوا كما صدّق أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، {قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ؛} أي أنصدّق كما صدّق الجهّال، يقول الله تعالى: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ}


(١) وقرأ أهل المدينة: (يكذّبون) بضم الياء وتشديد الذال، والإجماع منعقد على القراءة الأولى، فضلا عن أن القراءة الثانية لا تتفق والقراءة من قوله تعالى: إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ. اِتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ [المنافقون:١ - ٢] فإنه سبحانه وتعالى قرر كذبهم، ليس لأجل تكذيبهم النبي صلّى الله عليه وسلّم، فهم يكذبون بدعواهم الإيمان وإظهارهم ذلك خداعا.
(٢) سبأ ٥٤/.
(٣) الزمر ٧١/.
(٤) هود ٧٧/.
(٥) سيأتي معنى الإشمام في تفسير قوله تعالى: لا تَأْمَنّا [يوسف:١١] إن شاء الله.
(٦) الفساد خروج الشيء عن الاعتدال، قليلا كان الخروج أو كثيرا، ويضادّه الإصلاح، وحقيقته العدول عن الاستقامة إلى ضدّها. ويستعمل ذلك في النفس، والبدن، والأشياء الخارجة عن الاستقامة. والإفساد هو جعل الشيء خارجا عما ينبغي أن يكون عليه، وعن كونه منتفعا به. وفي الحقيقة هو إخراج الشيء عن حالة محمودة لا لغرض صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>