قوله تعالى:{إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}(٣١)؛أي لا يرضى عملهم، ولا يثني عليهم. فلما نزلت هذه الآية طاف المسلمون في ثيابهم، وأكلوا اللّحم والدسم، فعيّرهم المشركون بذلك، فأنزل الله:
قوله تعالى:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ} أي قل لهم يا محمّد: من حرّم الثياب التي يتزيّن بها الناس، ومن حرّم المستلذات من الرّزق؟ ويقال: أراد بالطيّبات: الحلال من الرّزق، وفي قوله تعالى: {(خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)} أمر للإنسان أن يلبس أحسن ثيابه في الأعياد والجمع.
قوله تعالى:{قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ؛} قال ابن عبّاس: (معناه: أنّ المسلمين يشاركون المشركين في الطّيّبات في الدّنيا، فأكلوا من طيّبات طعامهم؛ ولبسوا من خيار ثيابهم؛ ونكحوا من صالح نسائهم، ثمّ يخلص الله تعالى الطّيّبات في الآخرة للّذين آمنوا وليس للمشركين فيها شيء)(١).
وتقدير الآية: قل هي للّذين آمنوا مشتركة في الدّنيا، خالصة يوم القيامة.
وقيل: معناه: هي للمؤمنين في الدّنيا غير خالصة من الهموم والأحزان والمشقّة.
وقرأ ابن عبّاس وقتادة ونافع: «(خالصة)» بالرفع؛ أي قيل: خالصة. وقرأ الباقون بالنصب على الحال والقطع، لأنّ الكلام قد تمّ دونه. قوله تعالى:{كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ؛} أي كما فصّلنا لكم الدلائل والأوامر والنواهي، هكذا تفصيلها {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}(٣٢)؛أي يفقهون أوامر الله تعالى.
ثم بيّن الله تعالى ما حرّم عليهم فقال عزّ وجلّ:{قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ؛} معناه: أنّ الله تعالى لم يحرّم الثياب ولا الطيبات من الرّزق، وإنّما حرّم الذّنوب.
والفواحش: هي الكبائر، وقوله تعالى: {(ما ظَهَرَ مِنْها)} أي ما عمل علانية، {(وَما بَطَنَ)} يعني سرّا. {(وَالْإِثْمَ)} يتناول كلّ ذنب وأن يكون فيه حدّ. وفائدة ذكر الإثم:
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١١٣٠٠) بأسانيد.