للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

استغناء عنه في حال من الأحوال. وأما النّار فهي للخراب، وإن كان فيها بعض المنافع.

قال ابن عبّاس: (أوّل من قاس فأخطأ القياس إبليس لعنه الله، فمن قاس الدّين بتبع من رأيه قرنه الله مع إبليس). (١) وكان قياس إبليس أنه قال: النار خير وأفضل وأصفى وأنور من الطّين. وقال ابن سيرين: (أوّل من قاس إبليس، وما عبدت الشّمس والقمر إلاّ بالمقاييس). (٢)

وقد أخطأ عدوّ الله حين فضّل النّار على الطّين، بل الطّين أفضل من النّار من وجوه كثيرة؛ أحسنها: (٣) إنّ جوهر الطّين السّكون والوقار والحياء والصّبر والحلم، وذلك هو الدّاعي لآدم بعد السّعادة الّتي سبقت له إلى التّوبة والتّواضع، فأورثه المغفرة والاجتباء والهداية والتّوبة. ومن جوهر النّار الخفّة والطّيش والحدّة والارتفاع والاضطراب، وذلك هو الدّاعي لإبليس بعد الشّقاوة الّتي سبقت له إلى الاستكبار والإصرار، فأورثه العذاب والهلاك واللّعنة والشّقاء.

والثّاني: أنّ الطّين سبب لجمع الأشياء، والنّار سبب لتفرّقها. والثّالث: أنّ الخبر ناطق بأنّ تراب الجنّة مسك أذفر، (٤) ولم ينطق الخبر أنّ في الجنّة نارا وفي النّار ترابا. والرّابع: أنّ النّار سبب عذاب الله تعالى لأعدائه، وليس التّراب للعذاب.

والخامس: أنّ التّراب مستغن عن النّار، والنّار تخرج إلى المكان ومكانها التّراب).


(١) في الدر المنثور: ج ٣ ص ٤٢٥؛ قال السيوطي: ((وأخرج أبو نعيم في الحلية والديلمي عن جعفر ابن محمّد عن جده: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: [أوّل من قاس أمر الدّين برأيه إبليس، قال الله له: اسجد لآدم، فقال: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ] قال جعفر: فمن قاس أمر الدين برأيه قرنه الله تعالى يوم القيامة بإبليس لأنه اتّبعه بالقياس)).
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١١١٦١).
(٣) في المخطوط: (أخسّها).
(٤) أذفر، والذّفر: شدّة ذكاء الريح من طيب أو نتن، وفي صفة الحوض: وطينه مسك أذفر؛ أي طيّب الريح. لسان العرب: (ذفر).

<<  <  ج: ص:  >  >>