للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول الله تعالى: {اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ؛} أي هو أعلم من يرسل ومن يختصّ بالرسالة ومن هو أهل لها. وهذا جواب يمنعهم أن يكونوا رسلا حين أنفوا أن يكونوا أتباعا للرّسل بعد قيام حجّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

بيّن الله تعالى أنه إنّما يجعل الرسالة عند من يقوم بأدائها، ولا يجعلها عند من يضيّع ولا يصبر على المكاره. وقيل: إنّما لم يجعل الله الرسل في الرؤساء والأغنياء؛ لأنّ الناس يتبعونهم وإن لم يأتوا بالحجج، فيقول من بعدهم: إنّما اتّبعوهم لأنّهم كانوا رؤساء وأكابر.

وقوله تعالى: {سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللهِ؛} أي سيصيب الذين اكتسبوا الجرم مذلّة وهوان ثابت لهم عند الله؛ {وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ} (١٢٤)؛أي بكفرهم وتكذيبهم الرسل.

قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: (ثمّ رجع إلى ذكر عمّار وأبي جهل) فقال عزّ وجلّ: {فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ؛} أي فمن يرد الله أن يوفّقه للإسلام يوسع قلبه ويليّنه لقبول الإسلام، {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ؛} أي أن يخذله ويجعله في ضلالة الكفر، {يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً}.

{حَرَجاً} (١)؛قيل: الحرج: موضع الشّجر الملتف (٢)؛يعني أنّ قلب الكافر لا تصل إليه الحكمة كما لا تصل الراعية إلى الموضع الذي التفّ فيه الشجر.


(١) في هامش المخطوط: أشار بعلامة ولم يكتب (صح)،ولعلها نقولات من القراء لما وجدوه في التفاسير: (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ) يعني من يرد الله أن يوفقه للإسلام ويهديه لدينه (يشرح صدره للإسلام) أي يوسع قلبه ويليّنه لقبول الإسلام، ويدخل فيه نور الإسلام وحلاوته، قال القتبيّ: (يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) أي يفتحه.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لمّا نزلت هذه الآية (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ)، قالوا: يا رسول الله؛ وكيف ذلك؟ قال: [إذا دخل النّور في القلب انشرح وانفسح الصّدر] قالوا: وهل لذلك من علامة يعرف بها؟ قال: [نعم، التّجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزول الموت]. (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ) عن الإسلام فلا يقبله ويتركه بغير نور (يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً) يعني غير موسع (حرجا).
(٢) في الجامع لأحكام القرآن: ج ٧ ص ٨١؛ نقله القرطبي من قول ابن عباس رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>