أو دين أسس بنيانه على عبادة الصلبان والصور المدهونة في السقوف والحيطان، وأن رب العالمين نزل عن كرسي عظمته فالتحم ببطن أنثى وأقام هناك مدة من الزمان، بين دم الطمث في ظلمات الأحشاء تحت ملتقى الأعكان، ثم خرج صبيًّا رضيعًا يشب شيئاً فشيئاً ويبكي ويأكل ويشرب ويبول وينام ويتقلب مع الصبيان، ثم أودع في المكتب بين صبيان اليهود يتعلم ما ينبغي للإنسان، هذا وقد قطعت منه القلفة حين الختان، ثم جعل اليهود يطردونه ويشردونه من مكان إلى مكان، ثم قبضوا عليه وأحلوه أصناف الذل والهوان، فعقدوا على رأسه من الشوك تاجاً من أقبح التيجان، وأركبوه قصبة ليس لها لجام ولا عنان، ثم ساقوه إلى خشبة الصلب مصفوعاً مبصوقاً على وجهه وهم خلفه وأمامه وعن شمائله وعن الأيمان.
ثم أركبوه ذلك المركب الذي تقشعر منه القلوب مع الأبدان، ثم شُدَّت بالحبال يداه مع الرجلين، ثم خالطهما تلك المسامي التي تكسر العظام وتمزق اللحمان، وهو يستغيث: يا قوم ارحموني! فلا يرحمه منهم إنسان، هذا وهو مدير العالم العلوي والسفلي الذي يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن، ثم مات ودفن في التراب تحت صم الجنادل والصوان، ثم قام من القبر وصعد إلى عرشه وملكه بعد أن كان ما كان، فما ظنك بفروعٍ هذا أصلها الذي قام عليه البنيان.
أو دين أسس بنيانه على عبادة الإله المنحوت بالأيدي بعد نحت الأفكار من سائر أجناس الأرض على اختلاف الأنواع والأصناف والألوان، والخضوع له والتذلل والخرور سجوداً إلى الأذقان، لا يؤمن من يدين به، بالله ولا ملائكته ولا كتبه ولا رسله ولا لقائه يوم يجزى المسيء بإساءته والمحسن بالإحسان.
أو دين الأمة الغضبية الذين انسلخوا من رضوان الله كانسلاخ الحية من قشرها، وباءوا بالغضب والخزي والهوان، وفارقوا أحكام التوراة ونبذوها وراء ظهورهم واشتروا بها القليل من الأثمان، فترحل عنهم التوفيق وقارنهم الخذلان، واستبدلوا بولاية الله وملائكته ورسله وأوليائه ولاية الشيطان.
أو دين أسس بنيانه على أن رب العالمين وجود مطلق في الأذهان، لا حقيقة له في العيان، ليس بداخل في العالم ولا خارج عنه، ولا متصل به ولا منفصل عنه، ولا محايث ولا مباين له، لا يَسمع، ولا يَرى، ولا يعلم شيئا من الموجودات ولا يفعل ما يشاء، لا حياة له، ولا قدرة، ولا إرادة، ولا اختيار، ولم يخلق السموات والأرض في ستة أيام بل لم تزل السموات والأرض معه، وجودها مقارن لوجوده، لم يحدثها بعد عدمها، ولا له قدرة على إفنائها بعد وجودها، ما أنزل على بشر كتاباً، ولا أرسل إلى الناس رسولاً، فلا شرع يُتَّبع، ولا رسول يُطاع، ولا دار بعد هذه الدار، ولا مبدأ للعالم ولا معاد، ولا بعث ولا نشور، ولا جنة ولا نار، إن هي إلا تسعة أفلاك وعشرة عقول، وأربعة أركان وأفلاك تدور، ونجوم تسير، وأرحام تدفع، وأرض تبلع وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [الجاثية: ٢٤].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ضد له ولا ند له، ولا صاحبة له ولا ولد له، ولا كفء له، تعالى عن إفك المبطلين، وخرص الكاذبين، وتقدس عن شرك المشركين، وأباطيل الملحدين. كذب العادلون به سواه، وضلوا ضلالاً بعيداً، وخسروا خسراناً مبيناً مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ [المؤمنون: ٩١].