للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثالثها: أنه إذا سلم أنه عليه السلام رسول لقومه، ورسل الله تعالى خاصة خلقه وخيرة عباده معصومون عن الزلل، مبرؤون من الخطل، وهو عليه السلام قد قاتل اليهود، وبعث إلى الروم ينذرهم ........ وكتب إلى المقوقس بمصر لإنذار القبط ولكسرى بفارس، وهو الصادق البر، كما سلم أنه رسول لقومه، فيكون رسولا للجميع، ولأن في جملة ما نزل عليه صلى الله عليه وسلم وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاس [سبأ:٢٨]. فصرَّح بالتعميم، واندفعت شبهة من يدَّعي التخصيص، فإن كانت النصارى لا يعتقدون أصل الرسالة، لا لقومه، ولا لغيره، فيقولون: أوضحوا لنا صدق دعواكم. ولا يقولون كتابكم يقتضي تخصص الرسالة، وإن كانوا يعتقدون أصل الرسالة لكنها مخصوصة لزمهم التعميم لما تقدم، وكذلك قوله تعالى: بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ [الجمعة:٢]. لا يقتضي أنه لم يبعثه لغيرهم، فإن الملك العظيم إذا قال: بعثت إلى مصر رسولا من أهلها لا يدل ذلك على أنه ليس على يده رسالة أخرى لغيرهم، ولا أنه لا يأمر قوما آخرين بغير تلك الرسالة، وكذلك قوله تعالى: لِتُنذِرَ قَوْمًا ما أنذِرَ آبَاؤُهُمْ [يس:٦]. ليس فيه أنه لا ينذر غيرهم، بل لما كان الذي يتلقى الوحي أولا هم العرب كان التنبيه عليه بالمنة عليهم بالهداية أولى من غيرهم، وإذا قال السيد لعبده: بعثتك لتشتري ثوبا. لا ينافي أنه أمره بشراء الطعام، بل تخصيص الثوب بالذكر لمعنى اقتضاه، ويسكت عن الطعام؛ لأن المقصد الآن لا يتعلق به، وما زالت العقلاء في مخاطباتهم يتكلمون فيما يوجد سببه، ويسكتون عما لم يتعين سببه.

وإن كان المذكور والمسكوت عنه حقين واقعين، فكذلك الرسالة عامة، ولما كان أيضا المقصود تنبيه بني إسرائيل، وإرشادهم خصوا بالذكر، وخصصت كل فرقة من اليهود والنصارى بالذكر، ولم يذكر معها غيرها في القرآن في تلك الآيات المتعلقة بهم، وهذا هو شأن الخطاب أبدا، فلا يغتر جاهل بأن ذكر زيد بالحكم يقتضي نفيه عن عمرو، وكذلك قوله تعالى: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِين [الشعراء:٢١٤]. ليس فيه دليل على أنه لا ينذر غيرهم، كما أنه إذا قال القائل لغيره: أدِّب ولدك. لا يدل على أنه أراد أنه لا يؤدب غلامه، بل ذلك يدل على أنه مراد المتكلم في هذا المقام تأديب الولد؛ لأن المقصود مختص به، ولعله إذا فرغ من الوصية على الولد يقول له: وغلامك أيضا أدبه؛ وإنما بدأت بالولد لاهتمامي به. ولا يقول عاقل: إن كلامه الثاني مناقض للأول. وكذلك قرابته عليه السلام هم أولى الناس ببره عليه السلام وإحسانه، وإنقاذهم من المهلكات، فخصَّهم بالذكر لذلك، لا أن غيرهم غير مراد، كما ذكرنا في صورة الولد والعبد.

وبالجملة فهذه الألفاظ ألفاظ لغتنا، ونحن أعلم بها، وإذا كان عليه السلام هو المتكلم بها، ولم يفهم

تخصيص الرسالة، ولا إرادته، بل أنذر الروم والفرس وسائر الأمم، والعرب لم تفهم ذلك وأعداؤه من أهل زمانه لم يدَّعوا ذلك، ولا فهموه، ولو فهموه لأقاموا به الحجة عليه، ونحن أيضا لم نفهم ذلك.

٢ - ومنها أنهم قالوا: إن القرآن الكريم ورد بتعظيم عيسى عليه السلام، وبتعظيم أمه مريم رضي الله عنها، وهذا هو رأينا واعتقادنا فيهما، فالدينان واحد، فلا ينكر المسلمون علينا.

والجواب من وجوه:

<<  <  ج: ص:  >  >>