للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فشجرة الزقّوم تنبت في الجحيم ولا تحترق، ثم طلعها غريب، كغرابة رءوس الشياطين، وهذه الرءوس للشياطين غير مرئية، لكن المخيّلة تستحضر صورتها المفزعة، لهذا بنيت الصورة على أثرها المحسوس في النفوس، ثم يترك للخيال أن يتابع الكافرين، وهم يأكلون الزقّوم أو رءوس الشياطين، ثم تمضي الصورة في رسم الحركة التخييلية الحسّية بعد أن رسمت هول المكان، وأصل الشجرة وشكل ثمارها، فالكافرون يأكلون من هذه الثمار الغريبة فتنتفخ بطونهم منها، وتشاك حلوقهم، فيشربون عليها ماء ساخنا حميما، فيتراكم العذاب عليهم، عذاب النار والطعام والشراب.

وفي موضع آخر، تلمس الصور الفنية أثر طعام الزقّوم في البطون، فتغلي أجواف آكليها، فيندفعون يطلبون الماء، فلا يجدون إلا شرب الحميم الكاوي أيضا للبطون، فيشربون منه شرب الهيم بلا ارتواء، قال تعالى في بيان ذلك: لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ، فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ، فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ، فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ الواقعة: ٥٢ - ٥٥، وقوله أيضا:

إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ، طَعامُ الْأَثِيمِ، كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ، كَغَلْيِ الْحَمِيمِ الدخان: ٤٣ - ٤٤.

وشرب الحميم يقطع الأمعاء وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ محمد: ١٥.

وهكذا تتكامل صورة الزقوم، من خلال تصوير شجرتها، وثمارها، وآثارها في البطون، وهي صور مترابطة في تحقيق التخويف من عذاب الله، وهي مقترنة مع صورة الحميم، ومتفاعلة معها، في حرق البطون وتقطيع الأمعاء.

والطعام الآخر هو الغسلين أو الغساق، وهما بمعنى واحد، ويقصد ما سال من جلود أهل النار عند احتراقهم فيها مثل القيح والصديد وغير ذلك. قال تعالى: فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ الحاقة: ٣٥ - ٣٧، وقوله أيضا: هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ، وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ ص: ٥٧ - ٥٨.

أمّا شرابهم فهو الحميم الساخن، الذي يقطع الأمعاء وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ.

كما أنّ أثره يمتد إلى الوجوه فيشويها من شدة حرارته المتصاعدة وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً الكهف: ٢٩.

أو أنّ شرابهم من الصديد وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ، يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ إبراهيم: ١٦ - ١٧.

وأمّا لباسهم فمن نار أيضا: فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ، يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ

<<  <   >  >>