الناس في قوله تعالى على لسانهم هذا يَوْمٌ عَسِرٌ القمر: ٨.
في هذا المشهد، يبرز الظالم من بين الجموع، يعضّ على يديه حسرة وندما: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا، يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا، لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي، وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا الفرقان: ٢٧ - ٢٩.
فالظالم لا يعضّ على يد واحدة، بل على كلتا يديه زيادة في تصوير الكرب، وتجسيم حالته النفسية.
والناس ليسوا سواء في مشهد الحشر والزحام، فالمؤمنون مكرمون، يحشرون في وفود إلى الرحمن، دلالة على تكريمهم والترحيب بهم، والمجرمون يساقون كالقطيع إلى جهنم، تحقيرا لهم، واستهانة، بهم يقول تعالى: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً، وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً مريم: ٨٥ - ٨٦.
وشتان بين هاتين الصورتين المتقابلتين، صورة الوفد المكرّم، وصورة القطيع المحتقر، الذي يساق ليرد من جهنم وردا، وأيّ ورد هذا الذي يكون من حميم وغسّاق.
ويصوّر القرآن الكريم في هذه المشاهد، صورة الرسل، وهم يعرضون على الله، لتقديم نتائج دعواتهم، وثمار محاصيلهم، والله يعلم ذلك، ولكن زيادة في تقريب يوم القيامة من الأذهان، وإقامة الحجة على البشر يقول تعالى: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ المائدة: ١٠٩.
والسؤال والجواب في هذه المشاهد العظيمة، لإثبات صدق الرسول، وإقامة الحجة على المكذبين به، على رءوس الأشهاد، ليدخلوا النار عن استحقاق، بحجة وبيان وشهود.
والصورة هنا ترسم الذهول عليهم، كما تلقي ظلّ العمى الممتد، الذي يصاحبهم من الدنيا إلى الآخرة، لربط النتائج بالأسباب، زيادة في التبكيت، والتعذيب، لذا ظلّوا صامتين، من شدة الذهول والخوف، جامدين من رهبة السؤال في ذلك الموقف العصيب.
وبينما الرسل يدلون بشهادتهم، وكذلك الملائكة، والكافرون لا يؤذن لهم بكلام، والصمت يخيّم على الجميع في مشهد الحشر العظيم، يقطع المشركون صمتهم، حين يرون شركاءهم،