للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نقل شيخ الإسلام الأقوال في هذه المسألة، ثم بين أن قول السلف وأئمة الفتوى كأبي حنيفة، والشافعي، والثوري وداود بن علي وغيرهم أنهم (لا يؤثمون مجتهداً مخطئاً لا في المسائل الأصولية ولا في الفروعية، كما ذكر عنهم ابن حزم وغيره، ولهذا كان أبو حنيفة والشافعي وغيرهما يقبلون شهادة أهل الأهواء (١) إلا الخطابية (٢)، ويصححون الصلاة خلفهم، والكافر لا تقبل شهادته على المسلمين، ولا يصلى خلفه. وقالوا: هذا هو القول المعروف عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة الدين: إنهم لا يكفرون ولا يفسقون ولا يؤثمون أحداً من المجتهدين المخطئين، لا في مسألة عملية ولا علمية، قالوا: والفرق بين مسائل الأصول والفروع إنما هو من أقوال أهل البدع من أهل الكلام من المعتزلة والجهمية ومن سلك سبيلهم، وانتقل هذا القول إلى أقوام تكلموا بذلك في أصول الفقه، ولم يعرفوا حقيقة هذا القول ولا غوره، قالوا: والفرق في ذلك بين مسائل الأصول والفروع كما أنه بدعة محدثة في الإسلام، لم يدل عليها كتاب ولا سنة ولا إجماع، بل ولا قالها أحد من السلف والأئمة، فهي باطلة عقلاً، فإن المفرقين بين ما جعلوه مسائل أصول ومسائل فروع لم يفرقوا بينهما بفرق صحيح يميز بين النوعين، بل ذكروا ثلاثة فروق أو أربعة كلها باطلة .. ) (٣) ثم ذكر هذه الفروق ورد عليها، وفي مواضع أخرى، ذكر بعض الأمثلة عن السلف فقال: ( ... وأيضاً فإن السلف أخطأ كثير منهم في كثير من هذه المسائل (٤)، واتفقوا على عدم التكفير بذلك مثل ما أنكر بعض الصحابة أن يكون الميت يسمع نداء الحي، وأنكر بعضهم أن يكون المعراج يقظة، وأنكر بعضهم رؤية محمد ربه، ولبعضهم في الخلافة والتفضيل كلام معروف، وكذلك لبعضهم في قتال بعض، ولعن بعض، وإطلاق تكفير بعض، أقوال معروفة، وكان القاضي شريح ينكر قراءة من قرأ: بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ [الصافات: ١٢] , ويقول: إن الله لا يعجب فكان يقول بل عجبت فهذا قد أنكر قراءة ثابتة وأنكر صفة دل عليها الكتاب والسنة، واتفقت الأمة على أنه إمام من الأئمة، وكذلك بعض السلف أنكر بعضهم حروفاً من القرآن، مثل إنكار بعضهم قوله: أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ [الرعد:٣١] وقال: إنما هي: أو لم يتبين الذين آمنوا، وإنكار الآخر قراءة قوله: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِياهُ [الإسراء:٢٣] (٥).


(١) رغم أنهم مخطئون في المسائل العلمية، وإنما عذر من عذر منهم لاجتهاده وتأوله، أما من رد شهادتهم من الأئمة – كمالك وأحمد – فليس ذلك مستلزماً لإثمهم، لكن المقصود إنكار المنكر وهجر من أظهر البدعة، انظر ((الفتاوى)) (١٣/ ١٢٥).
(٢) الخطابية: أتباع أبي الخطاب محمد بن أبي زينب مقلاص الأسدي الكوفي الأجدع المقتول سنة ١٤٣هـ، من غلاة الشيعة، قال النوبختي الرافضي: (كان أبو الخطاب يدعي أن أبا عبدالله جعفر بن محمد (الصادق) عليهما السلام جعله قيمه ووصيه من بعده، وعلمه اسم الله الأعظم، ثم ترقى إلى أن ادعى الرسالة، ثم ادعى أنه من الملائكة وأنه رسول الله إلى أهل الأرض والحجة عليهم ((فرق الشيعة)) للنوبختي الرافضي ٣٧،٣٨، وانظر ((مقالات الإسلاميين)) (١/ ٧٥ - ٨١)، ((الملل والنحل)) (١/ ٣٨٠ - ٣٨٥) وغيرها.
(٣) ((منهاج السنة)) (٥/ ٨٧،٨٨)، وانظر ((الفتاوي)) (١٩/ ٢٠٧،٢٠٨، ١٣/ ١٢٥، ١٢٦، ٢٣/ ٣٤٦) وغيرها.
(٤) أي المسائل العلمية الخبرية أو مسائل العقيدة.
(٥) وانظر الإشارة إلى قراءة ووصى ربك ((تفسير الطبري)) (١٥/ ٤٧)، و ((زاد المسير)) (٥/ ٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>