يحاسبه رادع من خلق، ويقف إخوة يوسف في مواجهة أخيهم الصغير يوسف الذي حظي بسبب جماله وذكائه وفطنته بمحبة والده ورعايته ..
وتتحرك النفس الأمارة بالسوء غاضبة مختنقة بمشاعر الحسد متطلعة للانتقام، باحثة عن سبب لتحقيق هذه الغاية، والنفس التي لم تبلغ كمالها الخلقي تظل عرضة لانفعالات خطيرة مدمرة لكل القيم الأخلاقية، وينقض الإخوة على أخيهم الصغير، فيوسعونه إذلالا، فينتصر الأب لولده الصغير، فتزداد مشاعر الغضب، وتستبد تلك المشاعر بتفكير الإنسان، ويفكر بعضهم بقتل ذلك الأخ، وينصرف الجميع إلى إلقائه في غيابات جب مهجور في طريق بعيد، ويحزن الأب ويتألم، ولا يملك إلا أن يصبر الصبر الجميل.
وتقود العناية الإلهية التي احتضنت هذا الطفل مسيرته، وتطوقه بما يضمن له السلامة، ويجد نفسه في رحاب قصر عظيم السلطان وفي قبضة امرأة أحكمت طوقها حوله، أحبته وتعلقت به وشغفها حبا وراودته عن نفسه فاستعصم، وجرح كبرياءها وأذل أنوثتها وكيف يمكن لمثله أن يرفض هذا الشرف العظيم، وأرادت أن تذله كما أذلها وأن تجرحه كما جرحها، وأن تقول للناس جميعا بأنها الأقوى والأقدر، فرمته في السجن غلاما منسيّا، وكان يمكن أن يظل في السجن ولا يذكره أحد، وأعطاه الله سلاح التأويل، وأمده بمعجزة، وسلط على مصر قحطا، وخرج من السجن بعد أن شهدت له تلك المرأة بحسن السلوك وأصبح صاحب سلطة ونفوذ، ووقف إخوته بين يديه يطلبون منه الطعام ويخرون بين يديه سجدا، يلتمسون منه العفو والصفح والمغفرة ...
وهكذا تمضي القصة في القرآن، في أداء دورها في الإقناع والتأثير، مخاطبة الإنسان، مستلهمة العبر من التاريخ، مستشهدة بمواقف مشهودة ومعلومة، مؤكدة دور الأنبياء والرسل في إصلاح المجتمع ومقاومة رموز الشر فيه، داعية إلى الاعتبار من التاريخ معززة القيم الإنسانية مبشرة الإنسان بغد ينتصر فيه الخير على الشر والعدل على الظلم ..