للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصنم (١)، كما شبَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - شارِبَ الخَمْرِ بعابدِ الوَثَنِ (٢)، وتمسَّكوا أيضًا بالأحاديث السابقة، وأقوال الصحابة فما كان منها صحيحًا فواضح أو مرسلاً قَوِيَ بتعدُّد طرقِه، وتمسَّكوا أيضًا بأنَّ العلَّةَّ فِي تحريم النرد أنَّه يوقع العَداوة والبَغضاء، ويصدُّ عن ذِكر الله وَعَن الصلاة، ويشغل القلب، والشِّطرَنج كذلك، بل هو أبلَغُ فِي إفساد القلوب من النرد؛ فإنَّه محتاجٌ إلى تقديرٍ وتفكُّر وحِساب النقلات قبل النقل، بخِلاف النرد فإنَّ صاحِبَه يلعب ويحسب بعد ذلك؛ ولهذا يُقال: إنَّ الشِّطرَنج مبني على مذهب الغدر، والنرد مبنيٌّ على مذهب الجبر؛ ومن ثَمَّ حُكِي عن بعض العلماء أنَّه قال: اللعب بالنرد خيرٌ من اللعب بالشِّطرَنج؛ لأنَّ لاعب النَّرد يعتَرِف بالقَضاء والقدر، ولاعب الشِّطرَنج ينفي ذلك؛ فهو أقرب إلى الاعتزال، وحكَى ابن أبي الدُّنْيَا عن بعضهم تفسيرَ النرد بالشِّطرَنج، قال المحرِّمون جوابًا عمَّا مرَّ: ممَّا يدلُّ للجواز، ولعبُ ابن جبير به إنما هو لكون الحجاج طلَبَه للقَضاء ففعَلَه ليكون قادحًا فيه، وحمل زجر عليٍّ على أنها كانت مُصوَّرة، يردُّه صِدق اسم التماثيل عليها وإنْ لم تكن مصورة؛ لأنها


(١) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (١٠/ ٢١٢)، وأورده ابن حزم في "المحلى" (٧/ ٥٦٩) بلفظ: أنَّ عليَّ بن أبي طالب مرَّ برجالٍ يلعبون بشطرنج فقال: "ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟! لأنْ يمسك أحدُكم جمرةً حتى تطفأ خيرٌ له من أنْ يمسَّها، لولا أنْ تكون سنَّة لضربت بها وجوهكم، ثم أمَر بهم فحُبِسُوا"، ثم قال: هذا منقطع، وفيه ابن حبيب.
(٢) أخرجه البزار (٦/ ٣٦٧ رقم ٢٣٨٢) عن عبدالله بن عمرو بن العاص مرفوعًا بلفظ: ((شارب الخمر كعابد الوثن))، وقال نور الدين الهيثمي في "المجمع" (٥/ ٧٠): رواه البزار، وفيه فطر بن خليفة، وهو ثقة، وفيه كلامٌ لا يضرُّ، وأخرجه ابن ماجه (٣٣٧٥) من حديث أبى هريرة، وقال البوصيري (٤/ ٣٨): هذا إسنادٌ فيه مقال؛ محمد بن سليمان ضعَّفه النسائي وابن عدي وقوَّاه ابن حبان، وقال أبو حاتم يُكتَب حديثُه ولا يحتجُّ به، وباقي رجال الإسناد ثقات، وصحَّحه ابن حبان (١٢/ ١٦٦ رقم ٥٣٤٧) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - بلفظ: ((مدمن الخمر كعابدِ وَثَنٍ)).

<<  <   >  >>