منهم، ولا أخص مذكرا فيهم، سوى آبائك النجب السادة، والرؤساء القادة، فهم الذين بلغوا من الكرم غايته، وأحرزوا من الفضل نهايته، فليس يجوز لأحد أن يبلغ من الكرم ما لم يبلغوه، ويفعل من الجميل ما لم يفعلوه.
فيقول لسيف الدولة، ذاكرا لتتابع وفاة أختيه، وتأخر الكبرى التي رثاها بهذا الشعر بعد الصغرى: قد كان قاسمك الدهر الشخصين اللذين كنت تأنس بهما، وتسكن إليهما، وآثرك بالأحب إليك، وكلاهما كريم في نفسه، رفيع في حاله، وكنت كمن كان له در وذهب؛ فرزي بالذهب ومتع بالدر، ونامت عنه فيه حوادث الدهر.
ثم قال: وعاد الدهر عليك في طلب ما تركه، واسترجاع ما سلمه، يريد: ما حدث عليه بوفاة أخته الكبرى التي عزاه بها، إنا لنغفل والأيام طالبة، والحوادث في الإسراع نحونا جاهدة.
ثم قال، يريد أختي سيف الدولة المتوفاتين: ما كان أسرع ما كان بينهما من المدة، وأقل ما لحق ذلك من المهملة، كأنه لخفة وقعته، وسرعة جملته، ما بين القرب والورد، اللذين يتصلان بلا تأخر، ويتواليان دون توقف.!