استقلت من المعارف، وبقيت في رئاسة المجمع، وكنت أديره أثناء وزارة المعارف وبعدها. وكان في ذلك الخير لأني حصرت وكدي في خدمة المجمع وتأسيسه على ما يجب وبقدر ما يساعد المحيط المالية. وعرضت عليّ وزارة المعارف في الحكومة المؤقتة خلال ثورة سنة ١٣٤٤هـ فاعتذرت وآثرت الانقطاع إلى المجمع وإتمام كتابي خطط الشام.
وفي ١٥ شباط سنة ١٩٢٨م أسندت إلي وزارة المعارف في حكومة صاحب الفخامة الشيخ تاج الدين الحسني وبقيت أدير شؤون المجمع العلمي إلى الآن. وفي أواسط شهر تموز سنة ١٩٢٨ ندبتني دولة سورية والمجمع العلمي لتمثيلها في مؤتمر المستشرقين السابع عشر بمدينة اكسفورد فرحلت إلى بلاد الإنكليز وزرت بلجيكيا وفرنسا. وقد اغتنمت فرصة وجودي في وزارة المعارف فأنشأت مدرسة العلوم الأدبية العليا جعلتها من فروع الجامعة السورية، كما هيأت جميع افتتاح أسباب كلية الإلهيات تضاف أيضاً إلى الجامعة وبذلك تمت لها أربع شعب، شعبة الطب، وشعبة الحقوق، وشعبة الآداب، وشعبة الإلهيات. وإذا انفسح الزمن للعمل ففي النية إضافة الفرع الأخير من فروع الجامعة وهو الفنون والعلوم.
كان المقتبس عقب الهدنة قد عاد إلى الصدور وظل يطرد نشره، حتى ألفت العصابات لغزو الساحل الشامي وأصبح القول الفصل لأناس من صعاليك العامة وأغرار الشباب، ممن أخذوا يهدوننا سراً وجهراً إن لم نمالئهم على رغائبهم، في هيج الأفكار ودعوتها إلى الثورة، فآثرت توقيف المقتبس على إصداره آلة للفتنة بين الناس، وإهراق دماء الأبرياء ليربح المستعبدون. على حين كنت على مثل اليقين أن الانتداب الفرنسي واقع لا محالة. وقد شق عليّ بعد أن بلوت من السياسة حلوها ومرها، وكرعت خلها وخمرها، أن آتي ما يكون وباله عليّ قبل غيري من رجال الصحافة، في أمر لا فائدة منه إلا لمن يستثمرون الثورات لمصحتهم الخاصة. وبقيت جريدتنا معطلة سنة كاملة، حتى دخل الجيش الفرنسي فعادت إلى الظهور. وظهرت جريدة المقتبس بتحرير المرحوم شقيقي أحمد كرد علي تصدر حرة في الجملة، وطنية الصفة والمنزع، فلما هلك أصبح تحريرها ألعوبة في أيدي أناس أرادوا