للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

الحداد: الثوب الذي يلبسه الحزين، وجعل الطّير لوقوعها على هؤلاء القتلى، وأكلها لحومهم، قد اختضبت بدمائهم، فكأنّها لابسة حدادا لم تشقّ جيوبه، لأن الدّم قد عمّ جميع شخوصها، فليس منها شيء بالظاهر، وذلك ضدّ ما يجب إذ كانت مسرورة بقتلهم، والحداد إنما يلبسه الحزين.

وأقول: أن أبا الطّيب اغرب في هذه الاستعارة إغراب حذاقة في صناعة، وذلك إنه لمّا قال: (الوافر)

وما سكني سوى قتل الأعادي ... فهل من زوة تشفي الكروبا

قال: (الوافر)

تظلّ الطير منها في حديث ... تردّ به الصّراصر والنّعيبا

فاستعار للطّير حديثا، للمناسبة التي بينه وبين الزيارة. ثم قال: تردّ به أي: بالحديث، الصّراصر، وهي أصوات الجوارح، والنعيب، وهو صوت الغربان، وأصواتها مستعملة في النّوح وذلك كثير. وجعل تلك الزيارة ليست كغيرها من زيارات الفرح والسّرور. ولمّا وصف الطّير بالنّوح، وهو من علامة الحزين، أردفه بما يجانسه من لبسها ثياب الحداد، وهو أيضاً من شعار الحزن في قوله:

وقد لبست دماؤهم عليهم ... حدادا. . . . . .

ثم نبّه على أن ذلك الشّعار والزّيّ ليس بحزن، على الحقيقة، بقوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>