أعضاء كانوا في أوّل الأمر ينتخبون مدّة حياتهم ثمّ عدلوا الانتخاب فجعلوا مدّته عشر سنين فقط. وكان لها أيضاً مجلس شيوخ ومجلس نواب، ويظهر أنّ المسيحية هاجمتها مبكّرة جدّاً، ولا يبعد أن تكون قد دخلت فيها أوّل عهدها، وقد انتدبت عنها أسقفاً حضر مجمع نيسيه وهي مدينة في آسيا الوسطى وذلك كان سنة ٣٢٥ بعد الميلاد وفي المجمع وضعت أصول الديانة المسيحية واِلتأم شمل عقائدها بعد الشتات. وبعدئذٍ جاء الفتح الإسلامي فافتتحها المسلمون دون أن يجدوا أدنى مقاومة منها. وقد توالت عليها مصائب جمّة منذ عهد الحروب الصليبية، ففي سنة ١١٠٧ حاصرها الصليبيون حصاراً ضايقها، فلم تستخلص منه إلا بعد أن اِشترت نفسها بمبلغ من المال. وكان قد تمّ ذلك الصلح بين أهلها وبين المحاصرين، إلا أنّ عدم وفائها بشروط الصلح اضطرّ الملك بدوين الأوّل أن يفتتحها عنوة سنة ١١١١. وما زالت كذلك حتّى افتتحها السلطان صلاح الدين الأيوبي سنة ١١٨٧ وهدم جميع حصونها، إلا أنّ مدّتها في هذا الدور كانت قصيرة لأنّ الصليبيّين عادوا فأخذوها سنة ١١٩٧. وفي نفس هذه
السنة كرّ عليها الملك العادل فأخذها عنوة، ثمّ هدمها وخرّب ديارها. وفي سنة ١٢٢٨ أعاد الفرنج بناءها وعمروها، وما زالت كذلك إلى أن جاءت سنة ١٢٤٩ فهدمها السلطان أيّوب. ولكن الملك القدّيس لويس عمد إلى إعادة بنائها وتحصينها في سنة ١٢٥٣. ثمّ لم يمض عليها وهي كذلك إلا سبع سنين، وجاء تيّار المغول القوي فجرفها في سنة ١٢٦٠. وبعد ذلك بمدّة ٣١ سنة، أي في سنة ١٢٩١ افتتحها السلطان الأشرف. ومن ذلك الحين إلى الآن وهي تحت سلطة المسلمين. وقد ابتدأ تقدّمها في القرن السابع عشر من وقت ما كان اتّخذها فخر الدين أمير الدروز عاصمة له، لأنّه فتح أبوابها في وجوه الأوروبيين فزهت إذ ذاك تجارتها واتّسعت عمارتها، وبنى فيها ذلك الأمير قصراً جميلاً لنفسه. وفي سنة ١٨٤٠ قصدتها أساطيل الدول المتّحدة فهدمت قلعتها. هذا ولا يزال في تاريخ البلد ووصفها كلام كثير إلا أنّ المهمّ ما ذكرناه، ولذلك نكتفي به ونعود إلى ما كنّا بصدده.