قال في الباب الثاني من الإبريز في أثناء جواب سؤاله له عن سبب الخسف في بعض الأماكن: أن الأرض محمولة على الماء، والماء محمول على الريح، والريح تخرج من حيز عظيم بين السماء وطرف الماء أعني ماء البحر المحيط، وذلك أنا لو قدرنا رجلا يمشي ولا ينقطع مشيه فإنه لا يزال يمشي فوق الماء إلى أن ينتهي الماء وعند ذلك لا يبقى بينه وبين السماء إلا الجو الذي تخرج منه الريح، فيرى رياحا لا تكيف ولا تطاق وهي بإذن الله الحاملة للماء والأرض والماسكة للسماء، ثم هي خدامة لا تسكن لحظة ومرتفعة نحو السماء، فإذا أراد الله تعالى أن ينزل المطر على قوم أمر شيئا من تلك الرياح فانعكس إلى جهة الأرض وعبر على متن البحر المحيط أو غيره، فيحمل ما أراد الله تعالى من الماء إلى الموضع الذي يريده عز وجل، وكم مرة أنظر إلى طرف الماء الموالي للجو الذي فيه الرياح فأرى فيه جبالا من الثلج لا يعلم قدر عظمها إلا الله عز وجل، ثم أنظر بعد ذلك فأجد تلك الجبال نقلت إلى طرف الماء الموالي لجبل قاف وإذا الرياح المنعكسة هي التي حملتها ا. هـ. وجعله الريح ماسكة للسماء والأرض لا ينافي أن الله يمسك السماوات والأرض الآية؛ لأن هذا الحمل من خصائص قدرته تعالى ولا قدرة لأحد على هذا الإمساك، وقال في جواب سؤاله عن أصل الثلج ومن أين نزوله أن الثلج ماء عقدته الرياح وأصله غالبا من ماء البحر المحيط؛ لأن ماءه مخصوص بثلاث خصال لا توجد في غيره البرودة إلى النهاية لمجاورته للرياح ولبعده عن حر الشمس ولذلك ينعقد بأدنى سبب والصفاء إلى النهاية؛ لأنه ماء باق على أصل خلقته لم يمتزج بشيء من جواهر الأرض، فإنه بحر محمول على القدرة الأزلية، وليس هو على الأرض ولا على شيء. (أي غير الريح لما تقدم له) والبعد إلى النهاية، فإن المسافة التي بيننا وبينه في غاية البعد، فإذا أمر الله الرياح بحمل شيء من هذا الماء فإنه ينعقد بعد حمله؛ لأجل البرودة التي فيه ولا تزال الرياح تحله شيئا فشيئا وتسحقه قليلا قليلا، فإذا طالت المسافة بيننا وبينه حصل له انحلال إلى النهاية حتى يصير كالهباء وتجتمع أجزاؤه؛ لأجل النداوة التي فيه، ولذا ينزل أحيانا على هيئة لطيف الصوف أو أدق منه فهذا هو أصل الثلج، وأما البرد فإن المسافة التي بين انعقاده ونزوله غير طويلة؛ لأنه من ماء البحار التي في وسط الأرض ومن الغدر أن المجتمعة من نزول الأمطار غالبا، ولذلك شاهد الثقات من الناس وسط الحبة من البرد شيئا من أجزاء الأرض، وإنما كان مستديرا على هيئة الطعام المفتول تحت يده على المرأة مثلا في القصعة لأجل مصاككة الريح له فراجت أجزاؤه تحت أيدي الرياح ا. هـ. المراد منه وهذا هو استكشاف خلص السنيين فعض عليه بالنواجد فإنه ناشيء عن نور البصائر. خذ ما رأيت ودع شيأ سمعت به ... في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل ولا تقل أن هذه العبارات عن هذا الشيخ تخالف المعقول والمنقول عن المستكشفين وكثير ممن عداهم؛ لأن عقل الموحد بقدرته تعالى التي لا تحيط بكنهها العقول لا يستبعد ذلك، وأما دعوى السياحين وإحاطتهم بجميع ما على وجه الأرض فلا يسلمها لهم إلا قاصر النظر الذي لا ينظر إلا لما بين قدميه، فهل عندهم في الدنيا سد لذي القرنين أو محيط غير المحيطات التي يمرون فيها في تجاراتهم، وليس في الدنيا جبل قاف، وهل تباعد أحد منهم في سياحته عن البلدان العامرة وما قاربها من القرى والجزر، ودعواهم الاستكشاف بالنظارات المعظمة التي اطلعوا بها حتى على ما في العالم العلوي وهي كما قال تعالى {كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور} ومن هنا تأخذ إحدى معجزات القرآن العلمية على وجود أناس آخر الزمان تحصل لهم هذه المعارف الظلمانية لا كما يزعمون من الخرافات الوهمية