فاحذرها يا أمير المؤمنين، فإن الزاد منها تركها والغنى منها فقرها، لها في كل حين قتيل، تذل من أعزّها، وتفقر من جمعها، هي كالسم يأكله من لا يعرفه وهو حتفه، فكن كالمداوي جراحته، يحتمي قليلاً، مخافة ما يكره طويلاً، ويصبر على شدة الدواء، مخافة طول البلاء، فاحذر هذه الدار الغرارة، الحيالة الخداعة، التي زينت بخدعها وفتنت بغرورها، وختلت بآمالها، وتشرفت لخطابها، فأصبحت كالروس المجلية، فالعيون إليها ناظرة، والقلوب عليها والهة، والنفوس لها عاشقة، وهي لأزواجها كلهم قاتلة، فلا الباقي بالماضي معتبر، ولا الآخر على الأول مزدجر، ولا العارف بالله - عز وجل - حين أخبر عنها مدكر، فعاشق لها قد ظفر منها بحاجته، فاغتبر، وطغى، ونسي المعاد، فشغل فيها لبه حتى زالت عنها قدمه، فعظمت ندامته، وكثرت حسرته، فخرج بغير زاد، وقدم على غير مهاد، فاحذرها يا أمير المؤمنين، وكن أسر ما تكون فيها؛ احذر ما تكون لها، فإن صاحب الدنيا كلما اطمأن منها إلى سرور، أشخصه إلى مكروه، وقد وصل الرخاء منها بالبلاء، وجعل البقاء فيها إلى فناء، فسرورها مشوب بالحزن، لا يرجع منها ما ولى فأدبر، ولا يدرى ما هو آت فينتظر، أمانيها كاذبة، وآمالها باطلة، وصفوها كدر، وعيشها نكد، وابن آدم فيها على خطر، ولقد عرضت على نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - بمفاتيحها وخزائنها، فأبى أن يقبلها، كره أن يحب ما أبغض خالقه، أو يرفع ما وضع مليكه، فزواها عن الصالحين اختبارًا، وبسطها لأعدائه اغترارًا، وجاءت الرواية أنه تبارك وتعالى قال لموسى عليه