للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالثَّانِي: إِذا تَعَارَضَتِ الأَقوال عَلَى المقلِّد فِي المسأَلة بِعَيْنِهَا، فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يَكُونُ الْعَمَلُ بِدْعَةً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِبِدْعَةٍ، وَلَمْ يتبَّين لَهُ الأَرجح مِنَ العالِمَيْن بأَعْلَمِيَّةٍ أَو غَيْرِهَا؛ فَحَقُّهُ الْوُقُوفُ وَالسُّؤَالُ عَنْهُمَا حَتَّى يتبيَّن لَهُ الأَرجح، فَيَمِيلُ إِلى تَقْلِيدِهِ دُونَ الْآخَرِ، فإِن أَقدم عَلَى تَقْلِيدِ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ (١) مرَجِّح؛ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُجْتَهِدِ إِذَا أَقْدَمَ عَلَى الْعَمَلِ بأَحد الدَّلِيلَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، فَالْمِثَالَانِ فِي الْمَعْنَى وَاحِدٌ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصِّحاح (٢) عن الصحابة رضي الله عنهم: أَنهم كَانُوا (٣) يَتَبَرَّكُونَ (٤) بأَشياء مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فَفِي الْبُخَارِيِّ (٥) عَنْ أَبي جُحَيفة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالهَاجِرَة، فَأُتِيَ بِوَضُوءٍ فتوضّأَ، فَجَعَلَ النَّاسُ يأْخذون مِنْ فَضْلِ وَضُوئِه فيتمسَّحون بِهِ ... ، الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: كَانَ إِذا توضأَ يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضوئه.

وَعَنِ المِسْوَرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (٦) ـ فِي حَدِيثِ الْحُدَيْبِيَةِ ـ: "وَمَا تَنَخَّم (٧) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامة إِلا وَقَعَتْ فِي كَفّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ".

وَخَرَّجَ غَيْرُهُ مِنْ ذَلِكَ كَثِيرًا؛ في التبرُّك بشعره، (٨) وثوبه، (٩)


(١) في (ت): "بدون" بدل: "من غير".
(٢) في (م): "الصحايح".
(٣) قوله: "كانوا" ليس في (خ) و (م) و (ت).
(٤) علق رشيد رضا هنا بقوله: لعل الأصل: "كانوا يتبركون".اهـ.
برقم (١٨٧)، ولكن قوله: "كان إذا توضأ يقتتلون على وضوئه" ليس في رواية أبي جحيفة هذه، وإنما في رواية المسور بن مخرمة الآتية.
(٥) أخرجه البخاري (٢٧٣١ و٢٧٣٢).
في (خ) و (م) و (ت): "انتخم".
(٦) أخرج مسلم في "صحيحه" (١٣٠٥) من حديث أنس: أنه صلّى الله عليه وسلّم في حجّته قال للحلاَّق: "خذ"، وأشار إلى جانبه الأيمن، ثم الأيسر، ثم جعل يعطيه الناس.
وأخرجه البخاري (١٧١) من حديثه أيضاً: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حلق رأسه كان أبو طلحة أول من أخذ.
(٧) أخرج مسلم في "صحيحه" (٢٠٦٩) من طريق عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: أن أسماء أخرجت له جبّة رسول الله (ص)، فقالت: هذه كانت عند عائشة حتى قُبِضَتْ، فلما قبضت قبضتها، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يلبسها، فنحن نغسلها للمرضى يُستشفى بها.