حتى يَنتهوا به إلى بابِ الجنةِ فيَستفتِحونَ فيُفتحُ له، فإذا دخلَها صاروا مِن خلفِه وهو أمامَهم وبينَ أَيديهم، حتى يَنتهوا به إلى مدينةٍ ظاهرُها مِن ياقوتٍ أحمرَ وباطنُها مِن زبرجدٍ أخضرَ، فيها مِن جميعِ أصنافِ ما خلقَ اللهُ عزَّ وجلَّ في الجنةِ مِن بهجتِها وغضارتِها ونعيمِها وسرورِها ما ينقطعُ عنه عِلمُ العبادِ ويعجزونَ عن صفتِهِ، فإذا انتَهوا به إليها قَالوا: يا وليَّ اللهِ، تَدري لِمن هذه المدينةُ؟ فيقولُ: لا، فمَن أنتُم رحمَكم اللهُ؟ ولِمن هذه المدينةُ؟ قَالوا: نحنُ الملائكةُ الذينَ شِهدْناكَ وقد اغتسلتَ في الدُّنيا يومَ الجمعةِ ومضيتَ إلى المسجدِ، وهذه المدينةُ وما فيها مِما تَرى ثواباً مِن اللهِ عزَّ وجلَّ لصلاةِ الجمعةِ، تقدَّمْ أمامَكَ حتى تَرى ما أعدَّ اللهُ لكَ لصلاةِ الجمعةِ مِن كريمِ ثوابِهِ تباركَ وتَعالى، فيرتفعُ في الدرجاتِ والملائكةُ خلفَه حتى تَنتهيَ به من (قدر بها)(١) عزَّ وجلَّ حيثُ شاءَ اللهُ عزَّ وجلَّ.
فتلْقاهُ صلاةُ الجمعةِ في صورةِ آدميٍّ كالشمسِ الضاحيةِ نوراً يتلألأُ، عليه تاجٌ مِن نورٍ، له سبعونَ رُكناً، في كلِّ ركنٍ مِن الأركانِ جوهرةٌ تضيءُ مشارقَ الأرضِ ومغاربِها وتفوحُ مِسكاً، فتقولُ لصاحبِها: هل تعرِفُني؟ فيقولُ لها: ما أعرفُكَ، ولكنِّي أَرى وجهاً صبيحاً خليقاً به كلُّ خيرٍ، فمَن أنتِ يرحمكِ اللهُ؟ فتقولُ له: أنا مَن تقرُّ به عينُكَ ويرتاحُ له قلبُكَ، وأنتَ لذلكَ أهلاً، أنا صلاةُ الجمعةِ التي اغتسلتَ لي وتنظفتَ لي وتطيبتَ لي وتلبستَ لي وتجملتَ لي وتعطرتَ لي ومشيتَ لي وتوقرتَ لي واستمعتَ خُطبتي وصليتَ، فتأخذُ بيدِه فترفعُهُ في الدرجاتِ حتى تَنتهيَ به إلى ما قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ في كتابِه:{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[السجدة:١٧]، - فكانَ أبوهريرةَ يقرؤُها: قُرَّاتِ أَعينٍ -، وذلكَ مُنتهى الشرفِ وغايةُ الكرامةِ، فيقالُ: هذا ثوابُ ذلكَ مِن
(١) [كذا في النسخة، وفي مصدر التخريج: حتى ينتهي من درجتها حيث شاء الله].