فقالَ له سعدٌ: أَنكحَكَ والذي بعثَه بالحقِّ، فإنِّه لا خلفَ الآنَ ولا كذبَ عندَه، أَعزمُ عليكَ لتأْتينَّه غداً ولَتقولنَّ له: يا نبيَّ اللهِ متى تَبنيني؟ فقالَ عليٌّ: هَذه عليَّ أشدُّ مِن الأُولى، أولاً أقولُ يا رسولَ اللهِ حاجَتي؟ قالَ: قُل ما أَمرتُكَ، فانطلَقَ عليٌّ فقالَ: يا رسولَ اللهِ مَتى تَبنيني؟ فقالَ:«الليلةَ إِن شاءَ اللهُ»، ثم دَعا بلالاً فقالَ:«يا بلالُ، إني قد زوجتُ ابنَتي ابنَ عمِّي، وأَنا أحبُّ أَن تكونَ سُنةُ أُمتي الطعامَ عندَ النكاحِ، فائتِ الغنمَ فخُذ شاةً وأربعةَ أمدادٍ أو خمسةً، واجعَل لي قصعةً لعليٍّ أَجمعُ عَليها المهاجرينَ والأنصارَ، فإذا فرغتَ مِنها فآذنِّي بها».
فانطلقَ ففعلَ ما أمَرَه به، ثم أَتاهُ بقصعةٍ فوضَعَها بينَ يديهِ، فطعنَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في رأسِها، ثم قالَ: أَدخِل عليَّ الناسَ زفةً زفةً، ولا تغادرنَّ زفةٌ إلى غيرِها» - يَعني إذا فرغَتْ زفةٌ لم تَعُدْ ثانيةً - فجعلَ الناسُ يَرِدونَ كلَّما فرغَتْ زفةٌ وردَتْ أُخرَى حتى فرغَ الناسُ، ثم عمدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى ما فضلَ منها، فتفلَ فيها وباركَ وقالَ:«يا بلالُ احمِلْها إلى أُمهاتِكَ وقُل لهنَّ: كُلنَ وأَطْعمنَ مَن غَشيَكُنَّ».
ثم إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قامَ حتى دخلَ على النساءِ قالَ:«إنِّي قد زوجتُ ابنَتي ابنَ عمِّي، وقد علمتُنَّ منزلَتَها مِني، وأَنا أَدفعُها إليهِ الآنَ، فدونَكُنَّ ابنتكنَّ»، فقامَ النساءُ فغلَّفْنها مِن طيبِهنَّ وحُليهنَّ، وأَلبَسْنها مِن ثيابِهنَّ وحلَّينَها مِن حُليهنَّ، ثم إِنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دخلَ، فلمَّا رأينَه النساءُ ذهَبْن وبينَهنَّ وبينَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم سترةٌ، وتخلَّفتْ أسماءُ بنتُ عُميسٍ، فقالَ لها النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«كما أنتِ على رسْلِكِ مَن أنتِ؟» قالتْ: أنا الذي أحرسُ ابنتَكَ، إِن الفتاةَ ليلةَ بنائِها لا بدَّ لها مِن امرأةٍ تكونُ قريبةً مِنها، إِن عرضَتْ لها حاجةٌ أو أَرادتْ شيئاً أَفضَتْ بذلكَ إِليها، قالَ:«فإنِّي أسألُ إِلهي أَن يحرسَكِ مِن بين يَديكِ ومِن خلفِكِ ومِن يمينِكِ وعن شمالِكِ مِن الشيطانِ الرجيمِ».